قيصر السبب الذي أخر بقية جيشه، فحاول أن يعبر البحر مرة أخرى في زورق صغير. وأخذ الملاحون يجدفون والموج يعاكسهم حتى كادوا يغرقون، ولكن قيصر لم تهن عزيمته رغم ما كان يحيط به من أهوال جسام، وأخذ يقوي قلوبهم بهذه العبارة التي لا يبعد أن تكون من نسج خيال المؤلف:
"لا تخافوا إنكم تحملون قيصر وحظه"(٣٥)،
ولكن الريح والموج قذفا بالقارب إلى الشاطئ الذي بدأ منه، واضطر هو أن يعود من حيث أتى.
وكان بمبي في هذه الأثناء قد استولى بأربعين ألفاً من رجاله على درشيوم Dyrrhachium ومخازنها الغنية، ولكنه عجز عن مهاجمة جيش قيصر الذي تناقص عدده وقلت مؤونته، وكان بمبي في تلك الأيام قد سمن وابتلى بالتردد وخور العزيمة. وبينا كان هو في تردده جمع ماركس أنطونيوس أسطولاً جديداً حمل عليه ما كان باقياً من جيش قيصر في إيطاليا.
وبذلك أصبح قيصر متأهباً للقتال، ولكنه ما زال يكره أن يقاتل الروماني رومانياً، فأرسل رسولاً إلى بمبي يعرض عليه أن يتخلى القائدان كلاهما عن قيادتهما، ولكن بمبي لم يرد عليه (١) فهاجمه وأخفق في هجومه، غير أن بمبي عجز أن يتبع النصر بمطاردة عدوه. ثم قتل ضباط بمبي جميع من وقع في أسرهم من أعداءهم الضباط على الرغم من نصيحة قائدهم الأعلى، أما قيصر فلم يقتل أحداً من أسراه (٣٧)، وهو عمل رفع من قوة جنوده المعنوية بقدر ما أضعف من قوة بمبي. وطلب رجال قيصر إلى قائدهم أن يعاقبهم على ما أظهروه من الجبن في حربهم الأولى ضد الفيالق الرومانية، فلو لم يجبهم إلى ما طلبوه توسلوا إليه
(١) وقيصر هو المرجع الوحيد الذي نعتمد عليه في أخبار هذه البعثة.