للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن يكون واقعياً، ومفكر علمته صروف الدهر أن يكون من رجال العمل. وكان أصفر الوجه، هزيل الجسم، ممعوداً يشكو سوء الهضم. ولذلك لم يكن يأكل إلا قليلاً، ولا يشرب إلا أقل؛ وعاش أطول مما عاش من حوله من الأقوياء بالحمية وتنظيم الحياة.

وجاء في أواخر مارس عام ٤٤ عبد محرر إلى أبولونيا Appolonia من أعمال اليريا Illyria حيث كان اكتافيان مع جيشه يحمل إليه نبأ مقتل قيصر ووصيته.

وارتاع الشاب المرهف الحس لجحود الناس وكفرهم بنعم المنعم عليهم، وثار في نفسه كل ما كان كامناً فيها من حبه لأخي جدته الذي كان يعزه أعظم إعزاز، والذي كان يعمل جاهداً لإقامة صرح الدولة المحطمة. وعقد النية في صمت على أن يواصل جهود قيصر وأن ينتقم من قاتليه. ثم ركب من فوره إلى شاطئ البحر وعبره إلى برنديزيوم وأسرع إلى رومه؛ وأشار عليه أقاربه فيها أن يظل مختفياً عن الأنظار لئلا يهلكه أنطونيوس، ونصحته والدته ألا يقوم بعمل من الأعمال ولكنها ابتهجت حين سخر من هذه النصيحة. وكان كل ما أشارت به عليه أن يصبر كلما كان الصبر في مقدوره، وأن يلجأ إلى الختل بدل الحرب السافرة، وقد عمل بهذه النصحية الحكيمة إلى آخر أيامه.

وتوجه لزيارة أنطونيوس وسأله عما هو فاعل بقتلة قيصر. وهاله أن يرى أنطونيوس مشغولاً بإعداد جيش يزحف به على دسمس بروتس، لأنه أبى أن يتخلى عن بلاد غالة الجنوبية؛ وطلب إلى أنطونيوس أن يوزع ما تركه قيصر حسب وصيته، وخاصة ذلك الجزء الذي يوصي بإعطاء كل مواطن خمسة وأربعين ريالاً. غير أن أنطونيوس وجد أسباباً كثيرة تدعو إلى تأخير تنفيذ الوصية، فما كان من أكتافيان إلا أن وزع على جنود قيصر القدامى أموالاً استدانها من أصدقاء قيصر وأعد بنفسه جيشه.