قائماً بمهمته ومستعداً على الدوام للقيام بها، ونشأ في أيامه قواد عظام أمثال كربولا Carbula، وفسبازيان Vespasian، وبولينس Paulinus، وتكونوا بفضل اختياره وتشجيعه. وقرر كذلك أن يتم مشروعات قيصر، فغزا بريطانيا في عام ٤٣ وفتحها، وعاد منها إلى رومة بعد أن غاب عنها ستة أشهر، ولما أقيم له احتفال بالنصر بعد عودته خالف جميع السوابق بأن عفا عن كركتكوس Caractacus ملكها الأسير. وسخر أهل رومة من عمل إمبراطورهم العجيب ولكنهم أحبوه، ولما أن راجت مرة من المرات في أثناء غيابه عن العاصمة، شائعات كاذبة بأن الإمبراطور قد قتل، عمت المدينة موجة من الحزن لم يسع مجلس الشيوخ معها إلا أن يؤكد للناس نأكيداً رسمياً بأن اللإمبراطور لم يُصب بسوء، وأنه سيعود قريباً إلى رومة.
لكنه سقط من هذا العلو الشاهق لأنه أقام نظاماً للحكم أكثر تعقيداً مما يستطيع الإشراف عليه بنفسه، ولأن عبيده المحررين وأفراد أسرته أساءوا استغلال لطفه وعطفه. لقد أصلحت البيروقراطية التي أنشأها أحوال الإدارة، ولكنها فتحت فيها آلاف الثغرات للرشا والفساد؛ وكان نارسس وبلاس من أعظم رجال السلطة التنفيذية الذين يرون أن مرتباتهم أقل من كفايتهم، فكانا يستعيضان عن هذا الفرق ببيع المناصب وأغتصاب الرشا بالتهديد، وتوجيه التهم الكاذبة إلى من يريدون مصادرة ضياعهم من الأثرياء. وكانت نتيجة ذلك أن أصبحا أغنى الناس جميعاً في التاريخ القديم كله، فكان نارسس يمتلك ٤٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ سسترس (٨٦. ٠٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي) وكان بلاس يشكو الابؤس لأنه لم يكن له إلا ٣٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ فقط (٤٧). ولما شكا كلوديوس من وجود عجز في خزانة الإمبراطورية، قال الثرثارون الرومان إن في وسعه أن ينال كفايته من المال وفوق كفايته منه إذا أشرك معه في الحكم عبديه المحررين (٤٨). وروعت هذه السلطات العظيمة والأموال المكدسة الأسر الشريفة القديمة التي أضحت وقتئذ فقيرة