أن يستمع كل منا للآخر Satis magnum alteri theatrum sumus"، وإن كان السياسي الشيخ يرجو بلا ريب أن يسترق الناس هذا الحديث. وهو يصف ربوه وصفاً رائعاً وإن كان لا يرثي فيه لنفسه، ويسمي هذا المرض تسمية مرحة ظريفة فيقول إنه "التدريب على الموت" بأخذ "أنفاس أخيرة" متقطعة تدوم كل منها ساعة، وكان وقتئذ في السابعة والستين من العمر ولكنه لم يبلغها إلا بجسمه، أما "عقلي فقوي يقظ، يجادلني في موضوع الشيخوخة، ويجهر بأنها فترة ازدهار" (٣٢). وهو يبتهج إذ واتته الفرصة آخر الأمر لقراءة الكتب القيمة التي اضطر إلى إغفالها زمناً طويلاً. ويلوح انه في ذلك الوقت قد عاد إلة قراءة كتب أبيقور، لأنه ينقل عنها فقرات كثيرة وينقلها بحماسة تزري بأمثاله من الرواقيين، ويستولي عليه الرعب حين يشهد تطرف كالجيولا، ونيرون، وآلاف غيرهما من الرومان في نزعتهم الفردية وفي الجري وراء شهواتهم؛ يريد أن يجد وسيلة يقأوم بها المغريات التي تحيط بمن يتحرر عقله قبل أن ينضج خلقه، ويبدو أنه أخذ على نفسه أن يرد على الأبيقوريين ويفحمهم بأقوال نطق بها زعيمهم الذي دنسوا اسمه بأعمالهم، والذي لا يجرؤون على فهم تعاليمه.
وأول درس يلقيه على الناس في الفلسفة هو أننا لا نستطيع أن نكون عقلاء حكماء في كل شيء، وأنا لسنا في حقيقة أمرنا إلا قطعاً متناثرة في الفضاء اللانهائي، ولحظات قصيرة في الأبدية، وإن محأولة هذه الذرات المتشعبة أن تصف الكون، أو الكائن الأعلى، لعمل ترتج من الكواكب سخرية ومرحاً. ومن اجل هذا فإن سنكا لم يكن في حاجة إلى الدين أو إلى علم ما وراء الطبيعة؛ وفي وسع الإنسان أن يثبت من كتاباته أنه كان من الموحدين، أو المشركين، أو الكافرين، أو الماديين، أو الأفلاطونيين، أو القائلين بوحدة الوجود، أو ثنائيته. وهو يرى في بعض الأحيان أن الله قوة مدبرة شخصية، (٣١)