للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أما العقل، فإذا شفي، فلن يعود إليه المرض أبداً، وسأحدثكم عما أعنيه بالصحة: إن الصحة في رأيي أن يكون عقل الإنسان راضياً واثقاً، يدرك أن الأشياء التي يسعى إليها الناس جميعاً، وكل الفوائد التي يعملون لها أو ينالونها، لا أثر لها في الحياة السعيدة … وسأدلكم على قاعدة تقيسون بها أنفسكم وتحولكم من حال إلى حال! إنكم تصلون إلى ما تبغونه لأنفسكم في ذلك اليوم الذي تدركون فيه أن الناجحين هم أكثر الناس شقاء (٤٠).

"والفلسفة هي علم الحكمة، والحكمة هي فن العيش، والسعادة هي الغرض الذي نبتغيه، ولكن الطريق إليها هو الفضيلة لا اللذة. والحِكَم القديمة التي يهزأ بها الناس صحيحة صادقة تثبت التجارب صدقها في كل يوم. وسوف ننال آخر الأمر بالشرف، والعدالة، والحلم، والرأفة، قدراً من السمادة أكثر مما نناله بالجري وراء اللذة. وما من شك في ان اللذة طيبة مستحبة، ولكنها لا تكون كذلك إلا إذا اتفقت مع الفضيلة؛ وليس في مقدور الرجل العاقل أن يتخذها هدفاً له، ومثل الذين يجعلونها غرضهم في الحياة كمثل الكلب الذي يختطف كل قطعة من اللحم تُلقى إليه، ويبتلعها كلها، وهو بعدئذ لا يستمتع بها، بل يقف فاغراً فاه يتلهف على قطعة أخرى (٤١).

ولكن كيف يحصل الإنسان على الحكمة؟ إن السبيل إلى ذلك أن تمارسها كل يوم بقدر مهما يكن ضئيلاً، وأن تمتحن سلوكك في آخر كل يوم، وأن تكون قاسياً على أغلاطك ليناً على أغلاط غيرك، وأن تصاحب من هم أعظم منك حكمة وفضيلة، وأن تتخذ لنفسك رجلاً لا تراه عينك مشهوداً له بالحكمة ليكون لك ناصحاً وقاضياً تحتكم إليه في شئونك، ويساعدك على الوصول إليه أن تقرأ كتب الفلاسفة، ولست أقصد بهذه الكتب قصص الفلسفة الموجزة، بل أقصد بها مؤلفات الفلاسفة أنفسهم، "ولا ترْجُ قط أنك ستستطيع في يوم من الأيام أن تحصل على زبد حكمة النابهين من الرجال بقراءة خلاصات موجزة لهذه