الحكمة" (٤٢)، "إنك ستغادر كل واحد منهم أسعد مما كنت وأشد رغبة في حكمته، ولن يتركك واحد منهم تفارقه صفر اليدين … ألا ما أعظم تلك السعادة، وما انبل تلك الشيخوخة اللتين تنتظران ذلك الرجل الذي يحتمي بحماهم ويتخذهم سادة له وأنصاراً! " (٤٣). اقرأ الكتب الطيبة مراراً، فذلك خير لك من قراءة الكتب الكثيرة؛ وسافر سفراً بطيئاً، ولا تسرف في الأسفار، لأن "الروح لا تنضج وحدتها إلا إذا كبحت جماح تشوفها وتجوالها" (٤٤). وأولى سمات العقل المنظم أن يكون صاحبه قادراً على أن يبقى في مكان واحد، وأن يطيل المكث مع أصدقائه (٤٥). وإياك والجموع الكبيرة فإن "الناس وهم مجتمعون أخبث منهم وهم فرادى، فإذا اضطررت أن تكون في حشد كبير، فأنت أشد ما تكون في حاجة إلى الانطواء على نفسك" (٤٦).
وآخر درس يتعلمه الرواقي هو احتقار الحياة وإيثار الموت. ذلك أن الحياة ليست على الدوام ممتعة إلى الحد الذي يجعلها جديرة بأن يطول أجلها؛ ومن الخير للإنسان بعد حمى الحياة ونوباتها أن ينام ليستريح. "وهل ثمة شيء أحط من أن يضطرب الإنسان ويغضب وهو على عتبة ابسلام؟ " (٤٧). وإذا وجد الإنسان الحياة محزنة، واستطاع أن يغادرها دون أن يضر ذلك ضرراً بليغاً بغيره من الناس، فعليه بأن من حقه أن يختار الوقت الذي يغادرها فيه والطريقة التي يغادرها بها. ويحبذ سنكا للوسليوس الانتحار كأنه سيكون هو وريثه فيقول: -
"من الأسباب التي لا يستطيع معها أن يتذمر من الحياة أنها لا تستبقيه فيها رغم إرادته … كم من مرة قطع لك وريد ليقل بذلك وزنك! وإذا ما طعنت نفسك في قلبك فإنك لن تكون في حاجة إلى جرح واسع حتى تموت؛ وإن مشرطاً يشق لك الطريق إلى الحرية، وفي وسعك أن تشتري راحتك بوخزة إبرة … (٤٨) وحيثما أدرت بصرك وجدت الوسيلة التي تقضي بها