على متاعبك. فهل ترى هذه الربوة الشديدة الانحدار. إنها تهبط بك إلى الحرية؟ أو هل ترى هذا النهر أو ذاك الحوض أو ذاك البحر؟ -إن الحرية في أعماقها (٥٠) … ولكنني تحدثت فأطلت الحديث، وكيف يستطيع الإنسان أن يختم حياته إذا لم يكن في وسعه أن يختم رسالة يكتبها؟ (٥١) … أما أنا يا عزيزي لوسليوس فقد بلغت أرذل العمر، وقد عشت كفايتي، وها أنا ذا في انتظار الموت. وداعاً أيها الصديق" (٥٢).
واستجابت الأقدار لدعائه، فقد أرسل إليه نيرون تربيوناً يستجوبه فيما اتهم به من أنه يتآمر على جعل بيزو إمبراطوراً؛ فأجاب الرسول بأنه لم يعد يهتم بالسياسة، وأنه لا ينشد غير السلام، وأن تتاح له الفرصة للعناية "ببنيته المتهدمة الضعيفة". ويقول التربيون: "إنه لم تظهر عليه أعراض الخوف أو أمارات الحزن … وإن أقواله ونظراته كانت تنم عن عقل هادئ قويم ثابت". وقال نيرون للتربيون: "عد إليه وقل له أن يموت" ويقول تاستس إن "سنكا تلقى النيأ بهدوء واطمئنان"، ثم عانق زوجته، وطلب إليها أن تتخذ من حياته الشريفة النبيلة ومن دروس الفلسفة سبباً للسلوى والاطمئنان. ولكن بولينا أبت أن تعيش بعد مماته، فلما أن فتحت أوردته، أمرت هي الأخرى بفتح أوردتها، ثم استدعى أحد أمناء سره وأملى عليه رسالة وداع للشعب الروماني. وطلب بعدئذ قدحاً من شراب السكران، فجيء له به، كأنه اعتزم أن يموت ميتة سقراط. ولما أن وضعه الطبيب في حمام فاتر ليخفف به ألمه، رش الماء على أقر الخدم له وهو يقول: "هذا ماء ساكب لجوف المنقذ"، ثم فارق الحياة بعد آلام مريرة (٦٥)، وأمر نيرون الطبيب بأن يربط معصمي بولينا على الرغم منها، ويمنع خروج الدم من أوردتها ففعل، وبذلك عاشت بعد زوجها بضع سنين؛ ولكن امتقاع لونها الدائم كان يدل على عزمها القوي الثابت.
ورفع الموت من قدر سنكا وأنسى جيلاً من الأجيال مواقفه وتذبذبه. وكان