ومدبرون لأعمالهم؛ وكان منهم فنانون، وأطباء، ونحاة، وفلاسفة. وكان في مقدور العبد في كثير من الأحوال أن يتجر لحسابه الخاص، وأن يعطي جزءاً من مكاسبه لمالكه، وأن يحتفظ بما بقي منها لتكون "ماله القليل Peculium"، أي ملكاً خاصاً له. وكان في وسع العبد بهذه المكاسب، أو بأمانته وإخلاصه في خدمة سيده، أو بالقيام له بخدمة غير عادية، أو بجمال خلقه، أن ينال حريته عادة في ست سنين (٦٦).
وقد تجسن أحوال العمال وأحوال العبيد أنفسهم بعض التحسن بفضل منظمات العمال Collegia. ونحن نستمع قبيل هذا الوقت الذي نتحدث عنه بوجود عدد كبير من هذه المنظمات وبتخصصها إلى حد يدعو إلى الفخر، فكانت هناك هيئات خاصة بالمداحين، والنافخين في الأبواق، والقرون، والناي، والمزمار، وغيرها من الآلات؛ وكانت هذه المنظمات تنشأ عادة على مثال الهيئات البلدية، فكان يقوم عليها عدد من الرؤساء ذوي الرتب المتدرجة؛ وكان لها إله واحد أو آلهة متعدون تقيم له أو لهم معبداً وعيداً سنوياً. وكانت تعمل ما تعمله المدن فتطلب إلى ذوي المال أو ذواته رعايتها، والأخذ بناصرها، ومساعدة أعضائها في رحلاتهم، وإقامة قاعات اجتماعهم ومعابدهم. وكانوا يجدون هذه المساعدة على الدوام. ونحن نخطئ إذا ظننا أن هذه المنظمات كانت شبيهة باتحادات العمال في هذه الأيام. وخير ما نتصورها به هو أن نقول إنها كانت أشبه بالهيئات الأخوية، ذات العدد الذي لا يحصى من المناصب، وألقاب الشرف، وضروب اللهو، والرحلات، والمعاونات المتبادلة البسيطة. وكثيراً ما كان الأغنياء يساعدون على قيام هذه المنظمات ولا ينسونها في وصاياهم. وكان رجال المنظمة كلهم "إخوة" كما كان نساؤهم "أخوات". وكان في مقدور العبد في بعضها أن يجلس أمام مائدة الطعام، أو في مجلس إدارتها، مع الرجل الحر. وكان كل "عضو ذي مقام" يضمن لنفسه جنازة طيبة.