ويختتم بلني هذا الوصف بقوله:"والآن حدثوني: ألست على حق إذا آثرت هذا الملجأ اللطيف بوقتي وحبوته بعطفي؟ "(١٤).
وإذا كان في مقدور عضو في مجلس الشيوخ أن يكون له هذا المسكن الريفي على شاطئ البحر، ومسكن آخر على بحيرة كومو، فإن في وسعنا أن نتصور ما كان عليه قصر تيبيريوس في ضيعته عند كبرى أو قصر دومتيان عند ألبالنجا، دع عنك قصر هدريان الذي أنشأه في تيبور Tipur بعد قليل من هذا الوقت الذي نتحدث عنه.
وإذا أراد الزائر أن يجد مثيلاً لهذا الإسراف فما عليه إلا أن يتخذ سبيله إلى قصور الأثرياء والباطرة على تل البلاتين. ولم يكن الرومان يحرصون في هندسة منازلهم على محاكاة هندسة بلاد اليونان القديمة حيث كانت البيوت المتواضعة وحيث لم يكن يوجد من الأبنية الفخمة إلا القصور، بل شادوا قصورهم على نمط قصور الملوك الذين كانوا يحكمون البلاد المصطبغة بالصبغة اليونانية، والذين تأثروا أشد التأثر بالعادات والأنماط الشرقية. فقد جاءت أنماط البطالمة إلى رومة مع ذهب كليوبطرة، ورافقت هندسة البناء الملكية أساليب الملوك السياسية. وقد اتسع فصر أغسطس الذي سمي باسم التل المقام فوقه بما أضيف إليه من الملحقات حين تضاعفت الشئون الإدارية الخاصة بالقصر الإمبراطوري. وشاد معظم خلفائه قصوراً إضافية لهم ولموظفيهم، فشاد تيبيريوس قصره المسمى دومس تيبيريانا Domus Tiberiana وكلجيولا قصره المعروف باسم دومس جيانا Domus Giana وشاد نيرون دومس أوريا Domus Aurea أي القصر الذهبي.
وأضحى هذا القصر الذهبي أعجوبة الأعاجيب في رومة، فقد أقيمت مبانيه وحدها على مساحة قدرها تسعمائة ألف قدم مربعة، ولم تكن هذه إلا جزءاً صغيراً من القصر الذي انتشر من تل البلاتين إلى التلال المجاورة له. وكان يحيط به بستان عظيم يشمل حدائق وخمائل وبركاً للسمك. ومسارح