للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض أولئك الكتبة بقوله: "ومهما تكن السرعة التي تقال بها الألفاظ، فإن أيديهم أسرع منها" (٤١). ويصف أفلوطرخس الطريقة التي كان المختزلون يدونون بها خطب شيشرون، والتي كانت تضايقه في أكثر الأحيان. وكان الشهود يعاملون حسب السوابق التي خلع عليها طول العهد ثوباً من الوقار، والتي يصفها كونتليان بعبارته التي لا يعلو عليها وصف آخر فيقول:

"إذا أريد الفحص عن شهادة شاهد فإن أول ما تجب مراعاته هو صنف هذا الشاهد نفسه. ذلك أن الشاهد الجبان يستطاع إرهابه، والشاهد الأبله يمكن التفوق عليه في الدهاء، والرجل الغضوب يمكن استثارته، والرجل المغرور يستطاع تملقه. أما الشاهد الذكي الأريب الرابط الجأش فيجب إبعاده على الفور لأنه خبيث عنيد أو … إذا كان في حياته الماضية ما يعاب عليه، فإن شهادته يستطاع نقضها بما يمكن مجابهته به من التهم الفاضحة" (٤٢).

وكان في وسع المحامي أن يدلي بما شاء من الحجج. فكان يستطيع أن يطلع المحكمة على ما لديه من صور خاصة بالجريمة المزعومة، مرسومة على القماش أو الخشب؛ وكان في مقدوره أن يمسك طفلاً بين يديه وهو يناقش نقطة من النقط؛ وكان يحق له أن يكشف عما في جسم جندي متهم من ندوب وما في جسم عميله من جروح. وقد ابتدعت الدفوع لمقاومة مفعول هذه الأسلحة؛ فها هو ذا كونتليان يحدثنا عن حيلة لجأ إليها محام جاء خصمه بأطفال موكله إلى المحكمة ليوضح بهم مرافعته، فما كان منه إلا أن ألقى بينهم بنرد، فزحف الأطفال على أرض المحكمة، وأفسدوا بذلك على المحامي ختام قضيته (٤٣). وكان من المستطاع تعذيب العبيد إذا كانوا أحد طرفي الخصومة لانتزاع الشهادة منهم، ولكن الشهادة المنتزعة بهذه الطريقة لم تكن تقبل ضد مالكيهم. وقد أصدر مرسوما يحرم فيها تعذيب العبيد لانتزاع إقرار منهم بجريمتهم، إلا إذا لم يفلح معهم كل ما عدا ذلك من الوسائل، على أن يتبع في هذا التعذيب أدق