للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإجراءات المرسومة له، ونبه المحاكم إلى أن الشهادة المنتزعة بالتعذيب لا يستطاع الوثوق بها على الإطلاق. على أن التعذيب القانوني ظل رغم هذا من الوسائل التي يلجأ إليها، واتسع نطاقه في القرن الثالث حتى شمل الأحرار (٤٤). وكان المحلفون يعطون أصواتهم بإيداع ألواح ذات علامات خاصة في وعاء، وكانت أغلبيتهم المطلقة تكفي لإصدار القرار. وكان في وسع من يخسر القضية في كثير من الأحيان أن يستأنف الحكم أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرته، وكان في مقدوره أن يستأنفه أمام الإمبراطور نفسه إذا أمكنته موارده من ذلك.

وكان القانون هو الذي يحدد العقوبات فلم تكن تترك لاختيار القضاة أنفسهم. وكانت هذه العقوبات تختلف باختلاف منزلة المحكوم عليه، وكان أقساها ما يوقع على العبيد، فقد كان بالاستطاعة أن يحكم على العبد بالصلب، أما المواطن فلم يكن يستطاع صلبه؛ ولم يكن يستطاع جلد المواطن الروماني، أو تعذيبه، أو قتله دون أن يستأنف حكم القتل أمام الإمبراطور، ويتضح ذلك لكل من يطلع على سفر أعمال الرسل. وكانت العقوبات تختلف في الجريمة الواحدة باختلاف منزلة المذنب وهل هو من "ذوي الشرف" Honestiores أو من "المنحطين Humiliores؛ كما كانت تختلف في حال الرجل الحر المولد والمحرر، والمفلس وغير المفلس، والجندي والمدني. ولما كانت قيمة العملة تتغير أسرع من تغير العقوبات المقررة في القانون فقد نشأ عن ذلك التغير السريع بعض الشذوذ والتناقض. من ذلك أن الجداول الاثني عشر كانت تفرض غرامة مقدارها خمسة وعشرون آساً (وكانت في الأصل خمسة وعشرين رطلاً من النحاس) على من يضرب رجلاً حراً؛ فلما انخفضت قيمة الآس بسبب غلاء الأسعار إلى ما يعادل ٦100 من الريال الأمريكي أخذ لوسيوس فراتيوس Lucius Veratius يصفع الأحرار على وجوههم، ومن ورائه عبد يعد خمسة وعشرين آساً لكل من يتلقى الصفعة (45). وكانت بعض الجرائم يعاقب عليها بفرض