إلى الجمال الهادئ إلى أنماط فن النحت اليوناني التي كانت عند اليونان مثلاً علياً يحتذيها المثالون، بل كانت تهدف إلى أن تنقل للناظر إليها صورة واضحة للأفراد الأحياء وسط مناظر الحرب وضوضائها. فكانت والحالة هذه هي بلزاك Balzac وزولا Zola بعد كورني Corneille وراسين. وفي وسعنا أن نتتبع في الألفي صورة المنقوشة على المائة والأربع والعشرين لوحة لولبية فتوح داشيا خطوة خطوة، فنرى الكتائب الرومانية خارجة من ثكناتها المسلحة أكمل تسليح، ونشاهدها تعبر نهر الدانوب على جسر عائم، ونبصرها تقيم معسكراً في أرض العدو، ثم نرى المعركة التي اختلطت فيها الحراب والسهام والمناجل والحجارة، وفيها قرية داشية تشتعل فيها النار، ونساؤها وأطفالها يطلبون إلى تراجان أن يرحمهم، ونرى نساء داشيات يعذبن أسرى الرومان، وجنوداً يعرضن على الإمبراطور رؤوس من قتلوهم من الأعداء، وجراحين يضمدون الجروح، ونرى الأمراء الداشيين يشربون كؤوس السم واحداً بعد واحد. وهاهو ذا الرأس دسبالس يؤتى به إلى تراجان ضمن غنائم الحرب، وهاهو ذا صف طويل من الأسرى، من رجال ونساء وأطفال، قد انتزعوا من بيوتهم ليكونوا عبيداً للرومان في أرض القرية- كل هذا وكثير غيره يحدثنا به العمود القاتم اللون منقوشاً أحسن نقش وممثلاً لأروع قصة في تاريخ النحت في العالم كله. ولم يكن الفنانون الذين قاموا بهذا العمل، ولم يكن من استخدموهم للقيام به، مدفوعين إليه بنعرة وطنية عارمة؛ فهم قد مثلوا ما أظهره تراجان من ضروب الرحمة والرأفة، ولكنهم كشفوا كذلك عن أعمال البطولة التي قامت بها أمة تجاهد في سبيل حريتها؛ وأجمل صورة في النقش كله هي صورة ملك داشيا. وتلك بلا شك وثيقة عجيبة مزدحمة إلى حد يقلل من قوة تأثيرها. وبعض ما فيها من الصور فجة حسنة بدرجة يظن الإنسان معها أن محارباً داشياً هو الذي نحتها، ونرى فن المنظور يستبدل به وضع الصور بعضها فوق بعض، وقد رسم المنظر كله كان الإنسان يشاهده كما يشاهد نقش فدياس،