من ركن بعيد مخبوء على الأرض. ولكنه رغم هذه العيوب خروج طريف على الطراز المقرر الذي لم يستطع لوداعته وهدوئه أن يعبر عما في الخلق الروماني من جد غامر ونشاط فياض. "وطريقة الأستمرار" التي جرى عليها- أي تدخل كل منظر في الذي يليه وفناؤه فيه- لتخرج إلى حيز الوجود ما يوحي به قوس تيتس وتمهد السبيل إلى النقوش البارزة الوسطى. وقد قلد المثالون هذه القصة، رغم ما فيها من عيوب، المرة بعد المرة من عمود أورليوس في رومة وعمود أركديوس في القسطنطينية إلى العمود النابليوني في البلاس فنديه Place Vendée في باريس. واختتم تراجان منهاجه البنائي بأن أكمل بناء الحمامات التي بدأها دومتيان وحرص على أن يجعلها حمامات عظيمة فخمة. وكان في هذه الأثناء قد مل السلم بعد أن دامت ست سنوات؛ ذلك أن العمل الإداري لم يكن يوقظ مما يكمن فيه من نشاط كما توقظه الحرب، ولم يكن يحس وهو في قصره أنه حي، وقال في نفسه لم لا أبدأ في تنفيذ خطط قيصر من حيث أخفق أنطونيوس، فأسوى المسألة البارثية تسوية نهائية، وأجعل الدولة- الرومانية- حدوداً أكثر مناعة وصلاحية من جهة الشرق، وأسيطر على الطرق التجارية التي تخترق أرمينية وبارثيا إلى أواسط آسية والخليج الفارسي وبلاد الهند؟
وبعد أن أتم استعداده بدأ يزحف مرة أخرى على رأس فيالقه (١١٣). فاستولى على أرمينية بعد عام واحد من بداية زحفه؛ ولم يمض عام آخر حتى كان قد اخترق بلاد النهرين؛ ووصل إلى المحيط الهندي- فكان أول من وقف أمام ذلك البحر من القواد الرومان وأخرهم. وكان الرومان في ديارهم يتعلمون الجغرافية بتتبع انتصاراته؛ وكان يسر مجلس الشيوخ أن يسمع في كل أسبوع تقريباً أن أمة أخرى قد غلبت أو أنها تعجل بالاستسلام: البسبور Bosporus، والكلشي، وأيبيريا الأسيوية؛ وألبانيا الأسيوية، وأسرهويني Osrhoene ومسينيا، وميديا، وأشور، وبلاد العرب الشمالية، وبارثيا نفسها