أن أفديوس كاسيوس قد أعلن نفسه إمبراطوراً بعد أن أخمد ثورة شبت في مصر. وأدهش ماركس البرابرة بأن عقد معهم صلحاً سريعاً، واكتفى بأن ضم إلى الإمبراطورية شريطاً من الأرض لا يزيد عرضه على عشرة أميال على ضفة الدانوب الشمالية، ووضع حاميات قوية على الضفة الشمالية. ثم جمع جنوده، وأخبرهم أنه يسره أن يترك مكانه لأفديوس إذا رغبت رومة في ذلك، ووعد أن يعفو عن القائد المتمرد، ثم سار إلى آسية ليواجهه. وحدث في تلك الأثناء أن اغتال كاسيوس ضابط صغير، وخمدت على أثر مقتله نار الثورة. واخترق ماركس آسية الصغرى وسوريا، وجاء إلى الإسكندرية، وحزن كما حزن قيصر لأنه لم تتح له فرصة يظهر فيها رحمته. وكان وهو في أزمير، والإسكندرية، وأثينة يمشي في الشوارع بلا حرس، ويلبس عباءة الفلاسفة، ويستمع إلى محاضرات كبار الأساتذة، ويشترك معهم في المناقشات، ويتكلم اللغة اليونانية؛ وأنشأ وهو في أثينة أستاذية في كل مذهب من المذاهب الفلسفية الكبيرة-الأفلاطونية، والإرسطاطيلية، والرواقية، والأبيقورية.
ووصل أورليوس إلى رومة في خريف عام ١٧٦، بعد حرب دامت قرابة سبع سنين، واستقبل فيها بموكب نصر عظيم حيى فيه بأنه منقذ الإمبراطورية. وأشرك كمودس معه في نصره، وأجلسه، وهو لا يزال غلاماً في الخامسة عشرة من عمره معه على العرش. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ قرن من الزمان التي لم يراع فيها مبدأ التبني، والتي عاد فيها مبدأ الوراثة. ولم يكن ماركس يجهل الخطر الذي سيحيق بالإمبراطورية من جرّاء فعلته هذه، لكنه فعل ما فعل لأنه رأى أن يختار ضرراً أخف من ضرر الحرب الأهلية التي يخشى أن يخوض كمودس وأصدقاؤه غمارها إذا حرمه من العرش. وليس من حقنا أن نحكم عليه بعد أن عرفنا عاقبة فعلته، كما أن رومة لم تكن تتوقع عواقب هذا الحب الأبوي، ذلك أنها كانت قد نسيت فتك الوباء بأهلها، وأخذ أبناؤها يذوقون طعم السعادة من جديد، يضاف إلى هذا أن العاصمة لم تقاس إلا القليل من ويلات الحرب التي