أرستقراطية منحلة، فاسدة، قاسية، عاجزة. وهو يفتتن بالشخصيات والحوادث البارزة، أكثر من إفتتانه بالقوى العاملة، والعلل، والأفكار، والتطورات؛ ويرسم أنبه الشخصيات وأكثرها ظلماً في التاريخ، ولكنه لا يدرك قط أثر العوامل الإقتصادية في الحوادث السياسية؛ ولا يهتم مطلقاً بحياة الناس وصناعاتهم، ولا بتيار التجارة، أو أحوال الناس العلمية، ولا بمنزلة المرأة، ولا بتقلب العقائد الدينية، ولا بروائع الأدب أو الفلسفة أو الفن. وفي كتب تاستس نرى سنكاً، ولو كان، وبترنيوس يموتون، ولكنهم لا يكتبون، ونرى الأباطرة يقتلون الخلق ولكنهم لا يشيدون. ولعل هذا المؤرخ الكبير كان مقيداً برغبات قرائه وسامعيه، وأكبر الظن أنه كان يقرأ أجزاء من كتبه- كما جرت به عادة ذلك الوقت- إلى أصدقائه الأشراف الذين يقول عنهم بلني إنهم كانوا يحتشدون لأستقباله؛ ولعله إذا سئل عن سبب إغفاله ما أغفل قال إن أولئك الرجال والنساء كانوا يعرفون الحياة الرومانية، وأحوال الصناعة، والأدب، والفن، وإنهم لذلك لم يكونوا في حاجة لم يكونوا في حاجة إلى من يذكرهم بها، وإن ما كانوا يحتاجون إلى سماعه مراراً وتكراراً هو قصة هؤلاء الأباطرة الأشرار المثيرة للشعور، وما كان يقوم به الشيوخ الصابرون من أعمال البطولة، وكفاح تبذله طبقتهم النبيلة ضد السلطة الغاشمة. وليس من حقنا أن نأخذ تاستس بما لم يقدم عليه، وكل ما من حقنا أن نفعله أن نأسف لضيق هدفه السامي وللقيود التي فرضها على عقله الجبار.
وهو لا يدعي قط أنه فيلسوف، ولذلك تراه يثني على أم أجركولا حين تحاول أن تثني عن الاشتغال بالفلسفة ولدها "الذي أصبح أشد تحمساً للفلسفة مما هو خليق بالروماني عضو الشيوخ (٨) ". ولقد كان خياله وفنه- كما كان خيال شيكسبير وفنه- أنشط وأكثر إبداعاً من أن يسمحا له بأن يفكر وهو هاديء في معنى الحياة وإمكانيتها. وهو يكثر من ذكر الفضائح التي يعوزها التثبت والتحقيق كما يكثر من ذكر الشروح والتعليقات التي توضح