للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحوادث وتنيرها، ولكننا يصعب علينا أن نجد في كتبه فكرة منسقة ثابتة عن الله، أو الإنسان، أو الدولة. فهو غامض غموض الحذر حين يكتب عن العقائد الدينية، ويوحي بأن من يقبل دين بلاده أعظم حكمة ممن يحاول أن يستبدل به العلم والمعرفة. وهو لا يصدق معظم المنجمين، والعرّافين، ولا يؤمن بالفأل ولا بالطيرة، ولا بالمعجزات، وإن كان يصدق بعضها. ذلك أن ظرفه وكما أدبه يحولان بينه وبين إنكار ما يؤكده الكثير من الناس. ويقول إن الحوادث تنزع بوجه عام إلى إثبات "أن الآلهة لا تهتم بالأخيار أكثر من إهتمامها بالأشرار" (١٠)، ويؤمن بوجودقوة مجهولة، وقد تكون قوة متقلبة الأطوار والميول، تدفع الناس والدول إلى مصائرها دفعاً لا حول لها أمامه ولا طول (١١). وهو يأمل أن يكون أجركولا قد انتقل إلى حياة سعيدة، ولكن يتضح من أقواله أنه يشك في هذا؛ وهو يقنع بآخر ما تخادع به العقول الكبيرة نفسها- خلود الشهرة الطيبة (١٢).

وهو لا يواسي نفسه بشيء من الآمال الطوبية؛ وفي ذلك يقول: "إن الكثرة الغالبة من خطط الإصلاح يعتنقها الناس في بداية الأمر بحماسة وغيرة، ولكن سرعان ما تبلى جدتها، وتنتهي مشروعاتها إلى لا شيء" (١٤). وهو يعترف كارهاً بأن الأمور في أيامه خير مما كانت قبل، وإن كان هذا الخير قصير الأجل، ولكنه يرى أن لا شيء، حتى عبقرية تراجان نفسه، ستمنع عودة التدهور والإضمحلال (١٥)، وذلك لأن رومة قد استشرى فيها الفساد، حتى سرى إلى قلوب الناس، ففسدت نفوس الجماهير وبدلوا الحرية فوضى (١٦)، وأصبحوا رعاماً "مولعين بكل ما هو جديد، تتوق نفوسهم إلى التغيير، وهم على استعداد دائم لأن ينحازوا إلى جانب الأقوياء" (١٧). وهو يرثي إلى ما ينطوي عليه العقل البشري من خبث (١٨)، ويهزأ كما يهزأ جوفنال بالعناصر الأجنبية من سكان رومة. وهو لا يفكر قط في العودة إلى الجمهورية بعد أن سوأ سمعة الإمبراطورية، ولكنه يرجو أن يتمكن الأباطرة من التوفيق بين الزعامة