اليوناني، والرومان، والأهالي الوطنيين في مقاطعة دلماشيا الواقعة جنوبي بنونيا ثغور البحر الأدرياوي وهي سالونا Salona (سبلاتو Spalato الحديثة) وأبولونيا Appolonia (بالقرب من فالونا) ودير هوكيوم Dyrrhachium (دورزو Durazzo الحديثة). وكانت روما الإمبراطوريّة تجنّد من هذه الولايات الواقعة جنوب الدانوب أقوى جنودها أجساماً وأصلبهم عوداً، كما كانت تستمد منها في القرن الثالث الأباطرة الحربيين الذين صدّوا سيل البرابرة حوالي مائتي عام. وكان في شرق بنونيا ولاية داشيا (رومانيا الحديثة)، وكانت عاصمتها سرمزجتوسا التي لم يعد لها الآن وجود. وكان في جنوب هذه الولاية وشرقها ولاية متيزيا (وتشمل أجزاء من يوغوسلافيا ورومانيا وبلغاريا الحديثة)، وكان فيها على الدانوب مدينتان كبيرتان هوا سنجدنوم (بلغراد الحديثة) وترزمس Troesmia (أجلتزا Iglitza) وثالثة بالقرب من نهر إسكر Isker وهي سرديكا Sardica (صوفيا الحديثة). وثلاثة بلدان كبرى على البحر الأسود وهي إستروس Istrus، وتومي Tomi (قسطنجة الحديثة) وأديسس Oddessus (وارنة Varna) . ولقد كافحت الحضارة اليونانية والجيوش الرومانية في هذه المستقرّات النكدة لكي تحافظ على كيانها ضد القوط، والرومانيين، والهون، وغيرهم من القبائل المتبربرة التي أخذت تتكاثر وتتجوّل في شمال النهر العظيم، ولكن هذا الكفاح لم يجدِهما نفعاً.
وكان عجز روما عن تمدين هذه الولايات الواقعة جنوب الدانوب هو الذي أدّى إلى سقوطها. فلقد كان هذا الكفاح من أشق الواجبات على شعب يعاني آلام الشيخوخة، وكانت حيوية الجنس السائد قد أخذت تضعف في مهاد الراحة والعقم بينما كانت القبائل الضاربة في الشمال تتكاثر وتقوى وتزداد جرأة وتهوراً. لمّا أن قدّم تراجان المال للرومانيين ليجنحوا للسلم كان ذلك العمل منه بداية النهاية، ولما أن جاء ماركس