والتين صاح قائلاً:"ما ألذ هذا الذي لم يكن لي من قبل! " … والنبيذ أفيد المشروبات على شريطة أن يكون في مناسبة سعيدة وأن يمزج بالماء … وأكثر ما يجب أن يخشاه الإنسان هو سوء الهضم الناشئ من أكل اللحوم لأنها تخمد العزيمة في أول الأمر، وتترك بعدئذ رواسب ضارة بالجسم. وخير ما يفعل الإنسان أن يعوّد جسمه عدم الحاجة إلى اللحم بالإضافة إلى غيره من الطعام، ذلك بأن الأرض تخرج كميات موفورة من أشياء كثيرة لا تفيد في التغذية فحسب، بل تفيد كذلك راحة ومتعة. أما وقد أصبحت العادة طبيعة ثانية طبيعية، فإن تعاطي اللحوم يجب أن يكون … دعامة وسنداً لغذائنا؛ وينبغي لنا أن نأكل غيرها من الأطعمة … التي هي أكثر منها موافقة للطبيعة، وأقلّ منها كلالة على شعلة التفكير التي توقد من مواد سهلة خفيفة إذا صحّ هذا التعبير (٩".
وهو يحذو حذو أفلاطون في الدعوة إلى تكافؤ الفرص للرجال والنساء على السواء، ويضرب أمثلة كثيرة للنساء المثقفات في الأزمنة القديمة (ولقد كان هناك نساء مثقفات في المحيط الذي يعيش فيه)؛ ولكنه ينظر إلى زنى الرجل بنفس السهولة التي ينظر بها إليه الرجل الوثني فيقول:
"إذا كان الرجل داعراً منهمكاً في ملذّاته وزلّ مع عشيقة أو خادمة، فلا يصحّ لزوجته أن تختاض لذلك أو تغضب، بل يجب أن تعتقد أن احترامه لها هو الذي دفعه إلى أن يشرك في فجوره امرأة غيرها) (١٠).
ولكننا مع هذا إذا فرغنا من قراءة هذه المقالات الممتعة الساحرة أحسسنا بعد قراءتها، بأنا كنا في صحبة رجل رقيق القلب، طيب في جوهره، كامل في رجولته، لا يسوءنا قط أن أفكاره عادية. وإن اعتداله لهو الترياق الشافي من الهوى الفكري الذي يغلب على عصرنا الحاضر، وإن عقله المتزن، وفكاهته اللطيفة، وإيضاحاته الجذّابة لتدفعنا إلى القراءة دفعاً لا نقوى على مقاومته حتى في المواضع المبتذلة منها. وإن الإنسان لترتاح نفسه حين يجد فيلسوفا أوتي من