للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشمال" (١٦). وهكذا لم تغيّر كورنثا أساليبها منذ أيام أسبازيا.

فإذا انتقل الإنسان إلى أتكا عن طريق مجارا بدا الريف في فقر مدقع اجتمعت فيه عوامل التعرية، وتقطيع الغابات، واستنزاف الثروة المعدنية إلى الحروب، والهجرة، والضرائب الفادحة وقلّة النسل، فأحالته في عصر السلم الرومانية صحراء مجدبة. ولم يكن في أتكا كلّها إلا اثنتان من المُدن ذوات الرخاء: إليسيز التي كانت طقوسها الدينية الخفية تجتذب إليها الجماهير الغنية في كل عام، وأثينة المركز التعليمي والثقافي للعالم القديم. وكانت معاهدها ونظمها القديمة - المجلس، والجمعية، والأركونية - لا تزال تقوم بعملها، كما أن روما قد أعادت إلى مجلس الأريوبجس سلطته الأولى فجعلته مصدر الأحكام القضائية وحصن حقوق الملكية الحصين. وكان الحكام أمثال أنتيخوس الرابع، وهيرود الأكبر، وأغسطس، وهدريان ينافسون أصحاب الثراء أمثال هيرودس أتكس Herodes Atticus في هباتهم للمدينة، فأعاد هيرودس بناء الملعب العظيم بالرخام حتى لم يَكَد يُبقي منه شيئاً في بنتلكس، وأقام قاعة للموسيقى في أسفل الأكروبوليس. وتبرّع هدريان بالمال اللازم لإتمام بناء الأولمبيوم Olympieum، وشاد لزيوس، وكان وقتئذ على حافة القبر (١) -بيتاً خليقاً به في عنفوان شبابه.

وفي هذه الأثناء كانت شهرة أثينة الفذة في الآداب، والفلسفة، والتعليم وعدم وجود مُدن أخرى تنافسها في هذه الميادين، قد جذبت إلى مدارسها عدداً جماً من الشبّان الأغنياء والطلاب الفقراء المحتاجين، وكانت جامعتها تضمّ عشرة كراسي للأساتذة يُنفق عليها من مال المدينة أو الإمبراطور، فضلاً عن جيش جرار من المحاضرين والمدرسين الخصوصيين. وكانت تلقى فيها دروس ومحاضرات في الأدب، وفقه اللغة، والبيان، والفلسفة، والرياضيات، والفلك، والطب، والقانون. وكانت تلقى عادة في مدارس التدريب الرياضي أو دور التمثيل، وأحياناً


(١) يقصد أن عبادته توشك أن تزول وأن تحل محلّها المسيحية. (المترجم)