في المعابد أو البيوت. ولم يكن يراعى في منهاج هذه المواد بأجمعها، عدا الخطابة والقانون، أن يؤهّل الطالب لكسب عيشه، بل كان يهدف بدلاً من هذا إلى شحذ ذهنه، وتقوية إدراكه، وإمداده بقانون أخلاقي. وقد أثمرت هذه الدراسات ثمارها فأخرجت عدداً كبيراً من ذوي العقول النابغة، ولكنها أخرجت أيضاً آلافاً من الجدليين الذين لا همّ لهم إلا التلاعب بالألفاظ، والذي حوّلوا الفلسفة والدين إلى نظريات جدلية لا يُعرف لها أول ولا آخر.
وإذا كانت موارد أثينة تعتمد إلى حد كبير على طلابها، فقد كانت صابرة على نزقهم وطيشهم. كان الطلاب الجدد يوجّه إليهم مزاح عملي يسبب الأذى لغيرهم من المواطنين في بعض الأحيان، وكان طلبة الأساتذة المختلفين يتشيّعون لأساتذتهم، ويهاجم بعضهم بعضاً، وينشأ من ذلك شغب كثير شبيه بالشغب الذي يحدثه شباب هذه البلاد وتستخدم فيه العصي. وكان بعض الطلبة يحسبون أن في مقدورهم أن يتعلموا من العشيقات والمقامرين أكثر مما يتعلمون من جميع أساتذة الفلسفة، ويشير ألسفرون Alciphron إلى أن أولئك النسوة كنّ ينظرن إلى الأساتذة نظرتهنّ إلى منافسين لهنّ بلداء عاجزين (١٧). غير أنه كثيراً ما كانت تقوم بين الطلاب والأساتذة روابط قوية من الصداقة الطيبة الوفية، فكان الكثيرون من الأساتذة يدعون الطلاب إلى الطعام، ويرشدونهم إلى ما يقرؤون، ويعودونهم إذا مرضوا، ويحرصون على أن يبقى آباؤهم مخدوعين في مبلغ تقدمهم. وكان معظم المحاضرين يعيشون من الأجور التي يؤديها لهم طلبتهم، وكان عدد قليل من الأساتذة يتقاضون مرتبات من الدولة، فكان كل واحد من رؤساء المدارس الفلسفية الأربع يتقاضى عشرة آلاف درخمة (٦٠٠٠ ريال أمريكي) في السنة من الخزانة الإمبراطوريّة.
ومن هذه الدوافع نشأ عصر "السفسطائية الثانية" - الذي عاد فيه إلى الظهور الخطيب - الفيلسوف الذي يتنقّل من مدينة إلى مدينة كلما دعاه داعي