أقل من هذا العطف على برجرينس Peregrinns الذي جرّب المسيحية ثم خرج عليها وانضمّ إلى جماعة الكلبيين، وندد بروما، وحرّض بلاد اليونان جميعها على الثورة، وأدهش المجتمعين في أولمبيا بأن جمع محرقته بنفسه، وأوقد فيها النار، وقفز إليها، واحترق في لهيبها (١٦٥ م (٢٢". وبهذا الاحتقار للثراء وللحياة نفسها كان الكلبيون يمهّدون السبيل لرهبان الكنيسة المسيحية.
ولما أنشأ فسبازيان، وهدريان، وماركس أورليوس كراسي للفلسفة في أثينة، أغفلوا الكلبيين والمتشككة، ولم يعترفوا إلا بمدارس الفكر الأربع: الأكاديمية الأفلاطونية، واللوقيون الأرسطوطيلية، والرواقية، والأبيقورية. وكانت الأكاديمية قد وسّعت إيمان أفلاطون وافتخاره بالعقل الإنساني حتى استحال إلى الشك العام الذي قال به كرنيديز Carneades، فلما أن مات هذا الفيلسوف المتشكك عادت هذه المدرسة فمالت إلى النزعة الأصلية، ورجع أنتيخوس العسقلاني الذي كان يعلّم شيشرون في المجمع العلمي (٧٩ ق. م) إلى آراء أفلاطون في العقل، والخلود، والله. وكانت الموقيون وقتئذ قد قصرت بحوثها على العلوم الطبيعية جرياً على سنّة ثيوفراسطس، أو على كتابة الشروح والتعليقات في ورع وخشوع على مؤلفات أرسطو. أما مدرسة أبيقور فكانت في هذا العصر الديني سائرة في طريق الاضمحلال، وقلّما كان أحد من الناس يجرؤ على الجهر بعقائدها دون أن يشفع ذلك الجهد بتحفظات دبلوماسية. وكانت ألفاظ أبيقوري، وكافر، ومسيحي، في معظم بلاد آسية كلها ألفاظاً مترادفة، تعبّر عن الهلع والدَنَسْ (٢٢).
وقد كانت للفلسفة الرواقية الغلبة على سائر الفلسفات من قبل ذلك الوقت بزمن طويل، وكان ما اتصفت به صورها الأولى من صرامة وكمال قد خفّت حدّته على يدي بانيتيوس وبوسيدونيوس، وكلاهما من مواطني رودس.