وتحيّر منبس فذهب إلى الفلاسفة يستوضحهم الأمر، ولمنهم كانوا مشغولين بأنفسهم يحاول كل منهم أن يُفند حجج غيره، فلم يدوه إلا حيرة واضطراباً، ولم يرَ بداً من أن يصنع له جناحين ويطير بهما إلى السماء، ويفحص عن الأمر بنفسه. واستقبله زيوس أحسن استقبال، وأكرم وفادته، وسمح له أن يراقب مجرى الأمور من فوق أولمبس. وكان زيوس نفسه يستمع إلى الصلوات وهي تأتي إليه من "صف من الفتحات لها أغطية كأغطية الآبار … وكان من بين الخلق الذين يعملون في البحار رجل يطلب ريحاً شمالية وآخر يطلب ريحاً جنوبية. وكان الزارع يدعوه ليرسل إليه المطر، والقصّار يدعوه أن يرسل إليه الشمس. وخُيّل إلى الرجل أن زيوس قد تحيّر في أمره، لا يعرف أي دعاء يستجيب له، فامتنع عن الحكم امتناع العلماء الحقيقيين، وأظهر من التريّث والاتزان ما هو خليق ببيرو نفسه"(٥٩). ثم يرفض الإله بعض المطالب، ويستجيب لبعضها الآخر، ثم ينظم طقس اليوم: فيرسل المطر إلى سكوذيا، والثلج إلى بلاد اليونان، والعواصف إلى البحر الأدرياوي، و"يصرخ صرخة تبعث بعشرين مكيالا من البَرَد إلى كبدوكيا". ويغضب زيوس من الآلهة السمجة الغربية التي تسللت إلى مجمع آلهته؛ فيصدر أمراً يقول فيه إن جبل أولمبس قد ازدحم بالآلهة الأجنبية المتعددة الأجناس حتى ارتفع ثمن الرحيق الذي نشربه، وأخرجت منه الآلهة القديمة، التي هي دون غيرها، الآلهة الحقة؛ ولهذا فإن لجنة من سبعة ستُشَكّل لتنظر في مطالب الآلهة.
وفي كتاب التحقيق مع زيوس يسأله فيلسوف أبيقوري: هل الآلهة هي الأخرى خاضعة للأقدار؟ فيجيب جوف الظريف بقوله: نعم. فسأله الفيلسوف:"ولِمَ إذا يُقرّب الآدميون لك القرابين؟. وإذا كان القدر هو المسيطر على الآدميين والأرباب، فلِمَ نكون مسؤولين عن أعمالنا؟ "، فيردّ عليه زيوس بقوله: "يتبين لي أنك كنت مع تلك الجماعة اللعينة جماعة