السفسطائيين" (٦٠)؛ وفي زيوس تراجودس Zeus Tragoedus ترى الإله مكتئباً ساخطاً لأنه يرى جمعاً محتشداً في أثينة يستمع إلى داميس Damis الأبيقوري ينكر وجود الآلهة واهتمامها بالخلق، بينما يؤكد ذلك تمكليز Timocles الرواقي. ثم ينهزم تمكليز ويفر من الميدان؛ وييأس زيوس من مستقبله، ولكن هرمس يواسيه بقوله:"لا يزال في الأرض كثيرون من المؤمنين، هم الكثرة الغالبة من اليونان، أواسط الشعب وسفلته، والبرابرة على بكرة أبيهم"(٦١). ولم يتهم لوشيان بالكفر لقوله هذا، وفي ذلك دليل إما على روح التسامح التي كانت تسود ذلك العصر وإما على قرب زوال الآلهة اليونانية من الوجود.
وكان لوشيان يتشكك في قيمة البلاغة والفلسفة تشككه في الدين القديم. ففي إحدى محاورات الموتى يأمر كارون Charon أحد البلغاء، وهو ينقله إلى الدار الآخرة، "أن تثير ما بلغك من طول الجمل الذي لا آخر له، ومن والطباق والمقابلة والعبارات المتوازنة" - وإلا غرق القارب حتماً (٦٢). وفي هرموتمس Hermotimus ترى طالباً يبدأ دراسة الفلسفة متحمساً لها راجياً أن يستعيض بها بعض الاستعاضة عن الإيمان، ولكنه يصطدم مما يتصف به المعلمون المتنافسون من غرور وشره، ويتركه هؤلاء المعلمون عارياً ذهنياً وخلقياً، لأن كل فريق منهم يقضي وقته في دحض حجج الفريق الآخر، ولهذا "سأبتعد عن الفيلسوف كما أبتعد عن الكلب" على حد قوله في ختام حديثه (٦٣). ويعرف لوشيان نفسه الفلسفة بأنها محاولة "للوصول إلى مرتفع تتطلّع منه إلى جميع الجهات"(٦٤). وتبدو له الحياة من هذا المرتفع كأنها خليط مهوش سخيف، وأو جوقة مضطربة مختلّة النظام، يتحرّك فيها الراقصون ويصرخون كلٌّ كما يريد حتى يطردهم رئيس الفرقة من فوق المسرح واحداً بعد الآخر (٦٥). ويصور