وإيفوس، وأزمير، وبرجوم مدارس طب شهيرة ولكن طلاب الطب كانوا يهرعون إلى الإسكندرية من جميع ولايات الإمبراطوريّة، بل إنّا لَنَجد أميناس مرسلينس Ammianus Marcellinus في القرن الرابع الميلادي، حين أخذت مصر تسير في طريق الاضمحلال، يتحدّث عن الإسكندرية بقوله:
"حسب الطبيب تنويهاً ببراعته أن يقول إنه قد تعلّم في الإسكندرية"(٢٤). وكان التخصص في الطب يسير قدما، وشاهد ذلك ما يقوله فلستراتس (حوالي ٢٢٥ م): "لا يستطيع إنسان أن يكون طبيباً لكل مرض، بل يجب إن يكون هنا أخصائيون في الجروح، والحميّات، والعلون، والسل"(٢٥). وكان تشريح الجثث الميّتة يحدث في الإسكندرية، ويبدو أنه كان يجري فيها أياً تشريح للأحياء (٢٦).
ولم تكن الجراحة في القرن الأول الميلادي أقل رُقيّاً في الإسكندرية منها في أي مكان في أوربا قبل القرن التاسع عشر. ولم تكن الطبيبات نادرات؛ وقد كتبت واحدة منهنّ تدعى مترودورا Metrodora رسالة في أمراض الرحم لا تزال باقية إلى اليوم (٢٧). ويزدان تاريخ الطب في هذا العصر بأسماء عظيمة: منها روفس الافسوسي الذي وصف العين، وميّز أعصاب الحركة من أعصاب الحس، وحسّن طرق وقف النزيف في الجراحة، ومنها مرينس Marinus الإسكندري الذي اشتهر بجراحات الجمجمة، وأنتيلس Antylus أعظم الرمديين في عصره. وقد كتب ديوسكريدز Dioscorides القليقيائي (من ٤٠ إلى ٩٠ م) كتاباً في العقاقير وصف فيه وصفاً علمياً ستمائة من النباتات الطبيّة وصفاً بلغ من الدقّة حداً أوصى في هذا الكتاب باستخدام "الصوفات) لمنع الحمل (٨). وقد استخدم للتخدير وصفه لنبيذ البيروج Mandragora استخداماً ناجحا في عام ١٨٧٤.