ونشر سورانس الافسوسي حوالي عام ١١٦ م رسالة في أمراض النساء، وفي مولد الأطفال والعناية بهم، ولا يعلو عن هذه الرسالة من المؤلفات الطبية القديمة الباقية إلى اليوم سوى مجموعات أبقراط ومؤلفات جالينوس. ويصف المؤلف فيها منظاراً مهبلياً وكرسياً للتوليد، ويصف الرحم من الناحية التشريحية أجود وصف، ويقدم نصائح عملية وغذائية لا تكاد تختلف عما يقدمه الأطباء في هذه الأيام، منها غسل عيني الطفل الحديث الولادة بالزيت (٣٠)، ويذكر أسماء نحو مائة وسيلة لمنع الحمل معظمها أدوية للمهبل (٣١)، وهو يجيز الإجهاض إذا كان الوضع يعرض حياة الأم للخطر (على عكس ما يراه أبقراط)(٣٢).
وقصارى القول أن سورانس كان أعظم الأخصائيين في طب النساء في الزمن القديم، ولم يفقه أحد في هذا العلم حتى جاء باريه Pare` بعده بخمسة عشر قرناً؛ ولو أن رسائله الأربعين قد بقيت إلى هذا اليوم لوضعاه في أكبر الظن في منزلة جالينوس.
وكان أعظم أطباء ذلك العصر ابن مهندس معماري من برجموم، وقد سماه جلينوس Galenus أي الهادئ المسالم، لأنه كان يأمل ألا يتخلّق بأخلاق أمه (٣٣). ولما بلغ الشاب الرابعة عشرة من عمره شغف لأول مرة بالفلسفة، ولم يتحرر قد من غوايتها الخطرة؛ وفي السابعة عشرة تحوّل عنها إلى الطب، ودرسه في قليقية، وفينيقية، وفلسطين، وقبرص، وكريد، وبلاد اليونان والإسكندرية (وكان هذا الانتقال في طلب العلم من طبيعة العلماء الأقدمين)، ثم اشتغل جراحاً في مدرسة المجالدين في برجموم، ومارس صناعته فترة من الزمن (من ١٦٤ إلى ١٦٨ م) في روما. وفي هذه المدينة أقبل عليه أغنياء المرضى لنجاحه في صناعته، كما أقبل عليه كثيرون من علية القوم ليستمعوا إلى محاضراته، وذاعت شهرته ذيوعاً جعل الناس يكتبون إليه من كافة الولايات يطلبون إليه النصائح الطبية، فكان يصف لهم العلاج الناجع بالبريد، وكان والده الصالح قد نسي ما كان