يدور بخلده حين اختار له اسمه فنصحه ألا ينضم إلى شيعة أو حزب، وأن يكون صادقاً في كل ما يقول، وصدع جالينوس بأمر أبيه، وأخذ يُشهّر بجهل كثيرين من أطباء روما وشرههم حتى اضطر بعد سنين قلائل إلى الفرار من أعدائه. ولكن ماركس أورليوس إستدعاه ليعنى بكمودس الصغير (١٢٦)، وحاول أن يأخذه معه في إحدى الحملات المركمونية، ولكن جالينوس كان مت الدهاء بحيث استطاع أن يعود مسرعاً إلى روما. ومن هذا الوقت لا نعرف عنه غير مؤلفاته.
وتكاد هذه المؤلفات أن تبلغ من الكثرة ما بلغته مؤلفات أرسطو، وقد بلغت خمسمائة أو نحوها، وبقي منها ١١٨ كتاباً تحوي عشرين ألف صفحة، تشتمل على جميع فروع الطب وعلى عدد من ميادين الفلسفة، وليس لهذه الكتب قيمة طبية في هذه الأيام. ولكنها تشتمل في مواضع منها متفرقة على معلومات تافهة، وتكشف عن روح قوية ذات حيوية عظيمة، مولعة بالبحث والجدل. وقد عوده ولعه بالفلسفة عادة سيئة هي استخلاصه نتائج كبرى من معلومات قليلة، وكثيراً ما ساقه إيمانه بعلمه وقواه إلى تعسّف لا يليق بعقلية العلماء، وكان سلطانه على من جاء بعده سبباً في بقاء أخطائه الشنيعة ذائعة قروناً عدة. لكنه كان على رغم هذه الأخطاء دقيق الملاحظة، كما كان أكثر الأطباء الأقدمين اعتماداً على التجارب العلمية. ومن أقواله في هذا المعنى:"إني لأعترف بذلك المرض الذي قاسيت منه الأمرّين طوال حياتي وهو أني لا أثق … بأي قول حتى أجرّبه بنفسي على قدر استطاعتي"(٣٤). ولما حرّمت عليه الحكومة الرومانية أن يشرّح أجسام الآدميين أحياء كانوا أو أمواتاً، عمد إلى تشريح الحيوانات الحية والميّتة، وكثيراً ما كان يتعجّل فيطبّق على تشريح الجسم الآدمي ما تسفر عنه دراسته للقردة، والكلاب، والبقر، والخنازير.
وقد أفاد علم التشريح من جالينوس رغم قصوره أكثر مما أفاده من أي