مشاهد آخر في التاريخ القديم؛ ذلك أنه وصف بغاية الدقة عظام الجمجمة والعمود الفقرة، والجهاز العضلي، والأوعية اللبنية، والغدة اللسانية، والغدة اللعابية تحت الفك الأسفل، وصمّامات القلب؛ وأثبت أن القلب إذا فُصِل عن الجسم يمكن أن يظل ينبض في خارجه، وبرهن على أن الأوردة تحتوي دماً لا هواء (كما ظلّت مدرسة الإسكندرية تعلم الناس مدى أربعمائة عام)، لكنه قد فاته أن يسبق هارفي إلى كشف الدورة الدموية، فقد ظن أن معظم الدم يسير في الأوردة إلى أجزاء الجسم المختلفة ثم يعود فيها أيضاً؛ وأن البقية الباقية منه التي تختلط بهواء الرئتين تسير في الشرايين إلى أجزاء الجسم وتعود منه في الشرايين نفسها. وكان هو أول من شرح الجهاز التنفسي، ودلّ على حصافة وبراعة حين قال إنه يظن أن العنصر الفعال في الهواء الذي نستنشقه هو نفسه العنصر الفعال في الاحتراق (٣٥)؛ وميّزَ التهاب الرئة، ووصف الورم الوعائي (١)، والسرطان، والتدرّن، وعرّف ما في ثانيهما من خطر العدوى، وأهم من هذا كله أنه وضع أساس مبحث الأعصاب التجريبي، فهو أول من أجرى التجارب على قطاعات من النخاع الشوكي، وعيّن الوظيفة الحسّية والحركيّة لكل جزء منه، وعرف الأعصاب السمبثاوية، وميّزَ سبعة أزواج من الأثني عشر زوجاً من أعصاب الجمجمة، وعرف كيف يستطيع حبس النطق بقطع عصب الحنجرة، وبرهن على أن الضرر الذي يصيب أحد نصفي المخ يُحدث اختلالاً في النصف المضاد له في الجسم وعالج السفسطائي بوسنياس من خَدَرٍ في خنصر يده اليسرى وبنصرها بتنبيه الضفيرة العضدية التي يخرج منها العصب الزندي الذي يتحكّم في هاتين الإصبعين (٣٦). وقد برع في بحث أعراض الأمراض براعة آثر معها أن يُشخّص علة المريض
(١) اتساع أو تمدد يشمل طبقة أو جميع الطبقات من محيط وعاء دموي (قاموس الدكتور شرف). (المترجم)