للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لهيب من هذا النوع، خبا قبل الأوان، يشتعل قوياً في ذاكرته ذلك هو هليودورا Heliodora التي أحبّها في صور:

سأجدلُ البنفسج الأبيض، والآس الأخضر، سأجدل النرجس،

والزنبق اللامع؛ سأجدل الرعفران الحلو، والسنبل البري

الأزرق؛ وسأجدل آخر الأمر الورد رمز الحب الأكيد، حتى

يتألف منها جميعا تاج من الجمال خليق بأن يزيّن غدائر هليودورا

الحلوة (٤٤). والآن وقد اختطفها الموت ولوّث الثرى زهرتها

الناظرة، فإني أتوسّل إليكِ يا أمنا الأرض أن تكوني رحيمة

حين تضمينها إلى صدركِ (٤٥).

وقد خلّد مليجر اسمه بأن جمع في "إكليل" (Sle`phamos) ما قاله شعراء اليونان في الرثاء من أيام سابفو Sapphs إلى أيام مليجر. ومن هذه المجموعة وأمثالها من المجموعات نشأت دواوين الشعر اليوناني (١). وفيها نجد أحسن المقطوعات الشعرية وأسوأها، فمنها ما هو مصقول كصقل الجواهر، ومنها ما هو أجوف كالغاز. ولم يكن من الحكمة أن تُقطف هذه "الأزهار" الأربعمائة من غصونها ليصنع منها هذا التاج الذابل.

ومن هذه الأبيات ما يحيي ذكرى بعض الموتى من عظماء الرحال، ومنها ما يخلّد ذكى تماثيل مشهورة، أو أقارب فارقوا هذه الدار. ومنها قبريات ذاتي، إذا صحّ ذلك التعبير. فقد كتبت إمرأة، ماتت وهي تلد ثلاثة أطفال في وقت واحد، تقول تلك المقالة السديدة: "وبعد هذا فلتطلب النساء


(١) وقد ضُمّ إكليل مليجر في القرن السادس الميلادي إلى ديوان شعر كله تغزُّل في الغلمان جمعه أسترابون السرديسي (٥٠ ق. م). وضُمّت إليه فيما بعد مقطوعات أخرى، معظمها من أشعار المسيحيين. وأخذ ديوان الشعر اليوناني شكله الذي هو عليه الآن في القسطنطينية حوالي عام ٩٢٠ م.