ويقول إن أخطاءه هو يجب أن يُلام عليها من أخذ عنهم (٧٦). وهو يعترف بالمراجع التي أخذ عنها في صراحة نادرة ويختار هذه المراجع في العادة بدقة وحسن تمييز. ومن أقواله أن امتداد الإمبراطوريّة الرومانية قد وسع المعلومات الجغرافية، وإنه يعتقد مع ذلك أن قارات بأكملها لا تزال مجهولة- وبرما كانت هذه القارات في المحيط الأطلنطي- وأن الأرض شبه كرة، (ولكن اللفظ اليوناني قد يكون معناه "كريا") وأن الإنسان إذا سافر من أسبانيا متجهاً نحو الغرب وصل بعد وقت ما إلى الهند. ويقول عن شواطئ البحار إنها في تغيّر دائم بفعل التعرية أو الانفجار؛ ويظن أن اضطراب باطن الأرض قد يشق برزخ السويس ويل البحرين. وكان كتابه تلخيصاً جريئاً لما يعرفه الناس في عصره عن الأرض، وما من شك في أنه من جلائل الأعمال في العلم القديم.
وكان ديوكريسستوم- ديو ذو الفم الذهبي- (٤٠ - ١٢٠ م) أعظم شهرة في عصره من استرابون. وكانت أسرته قد اشتهرت في بروصة من زمن طويل؛ فقد أفنى جدّه ثروته بما قدّمه من الهبات لمدينته، ثم جمع بعدئذ ثروة جديدة؛ وحذا أبوه حذو جدّه؛ وفعل ديو ما فعله الأب والجد (٧٧). ولما كبر صار خطيباً وسفسطائياً، وسافر إلى روما، واعتنق مذهب الرواقية على يد موسنيوس روفس، ونفاه دومتيان من إيطاليا وبيثينيا في عام ٨٢؛ ولما حرّم عليه أن ينتفع بملكه أو دخله، أخذ يضرب في الأرض ثلاثة عشر عاماً وينتقل من قطر إلى قطر انتقال الفيلسوف المفلس، يأبى أن يتقاضى أجراً على خُطَبِه، ويكسب قوته في معظم الأحوال بعمل يديه. ولما جلس نيرفا على العرش بعد دومتيان، تبدّنل نفي ديو تكريماً، فقد اصطفاه نيرفا وتراجان ووهبا مدينته هبات جمة إجابة لطلبه ولما عاد إلى بروصة أنفق معظم ثروته في تجميلها، وإتهمه فيلسوف آخر بإختلاس الأموال العامة فحاكمه بلني، ويلوح أنه بريء من هذه التهمة.
وخلف ديو وراءه ثمانين خطبة. ويبدو لنا في هذه الأيام أن معظمها ألفاظ