وكانت "صناعة عصر الخمر تدر أرباحاً طائلة"(٢). وكان جزء من ثروة البلاد يأتي عن التجارة التي تُنقل في الأنهار الكبرى، ويُنقل بعضها في طرق القوافل التي تجتاز بارثيا في طريقها بين أقاصي آسية وبلاد الغرب. واشتبكت روما مع بارثيا في حرب بعد حرب من سنة ٥٣ ق. م حين هزم البارثيون كراسس Crassus في كاري Carrhae إلى سنة ٢١٧ م حين ابتاع مكرينس Macrinus الصلح من أرتبانس Artabanus، بغية السيطرة على هذه الطرق وعلى البحر الأحمر.
وكان البارثيون أعنى أو أفقر من أن يهتموا بالأدب؛ فقد كان الأشراف، يفضلون فن الحياة على حياة الفن كشأنهم في كل العصور؛ وكان أقنان الأرض أميين لا يعرفون للآداب معنى، وكان الصنّاع منهمكين في عملهم لا يجدون متّسعاً من الوقت للاهتمام بالأدب، وكان التجّار مشغولين بتجارتهم عن إنتاج فن عظيم أو كتب قيمة. وكان الأهلون يتكلمون اللغة الفهلوية، ويكتبون بالآرامية على الجلود، وكانت الآرامية قد حلّت وقتئذ محل الكتابة المسمارية. ولم تبقي لنا الأيام سطراً واحداً من الآداب البارثية، لكننا نعلم أن المسرحيات اليونانية كانت تُمثل في طشقونة كما كانت تُمثل في سلوقيا، وذلك لأن رأس كراسس قد ظهر في أحد أدوار الباحيين ليوربديز. أما الصور والتماثيل التي كُشفت في تدمر، ودور- أوربس، وأشور فكانت في أكبر الظن من صنع الفنانين الإيرانيين؛ وكان امتزاج الطرازين اليوناني والشرقي ذلك الامتزاج الساذج ذا أثر في فن العصور التي تلت ذلك العصر في جميع بلاد آسية من الصين إلى القسطنطينية. وقد بقي لنا نقش واضح يُمثل رامياً بالسهام على ظهر جواد، ويوحى بأنه لو بقي لنا من فن البارثيين أكثر مما عثرنا عليه منه لكان تقديرنا لهذا الفن أعلى من تقديرنا الحالي (٣). وقد شاد أمير إقطاعي عربي من أتباع ملك بارثيا قصراً من حجر الجير في حترا Hatra القريبة من الموصل (٨٨ ق. م) يحتوي على سبعة أبهاء ذات عقود وقباب، وشاده على طراز قوي ولكنه همجي. غير أن