أعمالاً فنية بارثية من طراز حسن قد بقيت لنا في الأدوات الفضية وفي الحلي.
ولكن البارثيين نبغوا في الفن المحبب إلى فن الإنسان- ونعني به زينة الأجسام. لقد كان رجالهم ونساؤهم على السواء يعقصون شعورهم، وكان الرجال يطيلون لحاهم المجعّدة وشواربهم المتهدّلة، ويرتدي الواحد منهم قميصاً وسروالاً منتفخاً يعلوهما في العادة ثوب متعدد الألوان. وأما النساء فكنّ يرتدين أثواباً مطرّزة تطريزاً دقيقاً جميلاً، ويزين شعرهنّ بالأزهار. وكان أحرار البارثيين يسلون أنفسهم بالصيد، ويكثرون من الطعام والشراب، ولا يمشون على أقدامهم إذا استطاعوا الركون. وكانوا محاربين شجعاناً، وأعداء شرفاء، يحسنون معاملة الأسرى، ويقبلون الأجانب في المناصب الكبرى، ويحمون اللاجئين، غير أنهم كانوا في بعض الأحيان يبترون أعضاء المدني من الأعداء، ويُعذبون الشهود، ويُعاقبوا على الذنوب الصغيرة بضرب السياط. وكان من عادتهم تعدد الزوجات إذا أمكنتهم مواردهم من ذلك التعدد، وكانت نساؤهم محجبات معزولات عن الرجال، وكانوا يعاقبون نساءهم على الخيانة الزوجية بأقصى العقوبات، ولكنهم يبيحون الطلاق للرجال والنساء على السواء لا يكادون يقيمون في سبيله عقبة ما (٣) ولما أن زحف سرينا Surena القائد البارثي بجيشه على كراسس اصطحب معه مائتي حظية وألف بعير محملة بلوازمه (٤). والصورة التي تنطبع في أذهاننا عن البارثيين في جملتهم هي أنهم كانوا أقل حضارة من الفرس الأكيمينيين، وأشرف وأكرم أخلاقاً من الرومان. فقد كانوا متسامحين مع مَن يخالفونهم في الدين، يُجيزون لليونان واليهود، والمسيحيين المُقيمين بين ظهرانيهم أن يقيموا شعائر دينهم دون أن يتدخّلوا في شئونهم. أما هُم أنفسهم فقد انحرفوا بعض الانحراف عن الزرادشتية الصحيحة، فكانوا يعبدون الشمس والقمر، ويُفضلون مثراس عن أهورا- مزدا فكانوا من هذه الناحية كثيري الشبه بالمسيحيين