كله" (٧٥). ومرت به لحظات رأى فيها من حسن السياسة أن يحذر رسله بقوله: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الإبن إلا الأب" (٧٦). وستسبقه علامات: "وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب … تقوم أمّة على أمّة ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن … يعثر كثيرون … يبغض بعضهم بعضاً، ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلّون كثيرين، ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (٧٧). وفي بعض الساعات جعل يسوع مجيء ملكوت الله ينتظر استحالة الإنسان إلهاً عادلاً كما جعله موقوفاً على هذه الاستحالة، وهو يجعل حلول الملكوت عادة عملاً من أعمال الله، وعطية معجزة يفاجأ بها الناس من قبل العناية الربانية.
وقد فهم الكثيرون ملكوت الله بأنه طوبى شيوعية؛ وحسبوا المسيح ثائراً اجتماعياً (٧٨). وإنا لنرى في الأناجيل بعض الشواهد التي تؤيد هذا الرأي، منها أن المسيح لا يخفي احتقاره للرجل الذي يجعل همه في الحياة جمع المال والانغماس في الترف (٧٩)، فهو يتوعد الفتى البطين بالجوع والشقاء، ويواسي بالتطويبات التي ضمن لهم بها ملكوت الله. ولما سأله شاب غني عما يجب أن يفعله بعد أن حفظ الوصايا قال: "بع أملاكك، وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء، و … إتبعني" (٨٠). ويبدو أن الرسل كانوا يفسرون الملكوت بأنه انقلاب ثوري للعلاقات القائمة بين الأغنياء والفقراء، وسوف نراهم هم والمسيحيين الأولين يؤلفون جماعة شيوعية: "وجميع الذين آمنوا كانوا معاً، وكان عندهم كل شيء مشتركاً" (٨١). وكانت التهمة التي أدين من أجلها عيسى هي أنه كان يتآمر ليكون "ملك اليهود".
ولكن في وسع الرجل المحافظ أن يجد في العهد الجديد شواهد يؤيد بها آراءه. منها أن المسيح قد اتخذ متّى صديقاً له، ومتى هو الذي ظل كما كان