عاملاً من قبل الرومان، ومنها أنه لم يطعن قط على الحكومة المدنية ولم يكن له فيما تعلم نصيب في الحركة اليهودية التي تهدف إلى الحرية القومية، وأنه كان ينصح بالكياسة البعيدة أشد البعد عن الثورة السياسية. وقد نصح الفريسيين بأن يعطوا "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"(٨٢). ولسنا نجد في قصة الرجل الذي "دعا عبيده" قبل سفره "وسلمهم أمواله"(٨٣) أية شكوى من الربا أو الاسترقاق. بل إنها تسلم بهاتين السنتين بوصفهما من الأمور التي لا تقبل الجدل. ويبدو أن المسيح يقر ما فعله العبد الذي استثمر العشر الميقات (٦٠٠ ريال أمريكي) التي عهد بها إليه شيده، فصارت عشرين؛ وأنه لا يقر عمل العبد الذي تركت له منها واحدة فحبسها ولم يستثمرها حتى يعود سيده من غيبته، وينطق هذا السيد بتلك العبارة القاسية: إن كل من له يُعطى، ومن ليس له فالذي عنده يُؤخذ منه (٨٤)، وهي خير ما تلخص به أعمال السوق التجارية، إن لم نقل إنها خير خلاصة لتاريخ العالم. وفي قصة رمزية أخرى نرى العمال غاضبين على صاحب العمل الذي يؤجر من عمل ساعة بقدر ما يؤجر الذين ظلوا يكدحون طوال اليوم؛ فينطق المسيح صاحب العمل بقوله:"أوَ ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي؟ "(٨٥). ويبدو أن المسيح لم يفكر في القضاء على الفقر، لأن الفقراء دائماً معه. فهو كالأقدمين جميعاً يرى أن من الأمور المسلّم بها أنه يجب على العبد أن يخدم سيده على خير وجه:"طوبى لذلك العبد الذي إذا جاءه سيده يجده يفعل هكذا"(٨٦) أي ما كلفه به. وهو لا يرى من شأنه أن يهاجم النظم الاقتصادية أو السياسية القائمة في وقته، بل يفعل عكس هذا فيهاجم ذوي النفوس الثائرة المتحمسة الذين يغتصبون ملكوت السموات (٨٧). أما الثورة التي كان يفكر فيها فكانت أعمق من هذه الثورة وأبعد منها أثراً، فهي ثورة إذا لم تحدث كانت كل الإصلاحات سطحية سريعة الزوال. فإذا استطاع أن يطهر قلوب الناس من الشهوات الأنانية، ومن القسوة، والفجور، فإن الطوبى