من فروق بين ثقافة الروماني السفسطائية الساخرة ومثالية اليهودي الواثقة المتحمسة. ومهما يكن من شيء فلم يكن أمام القانون بعد اعتراف المسيح إلا أن يدينه، وبناء على هذا أصدر بيلاطس وهو كاره حكمه بالإعدام.
وكان الصلب من طرق العقاب الرومانية اليهودية. وكان الجلد يسبقه عادة، فإذا ما جلد المذنب بقسوة أصبح جسمه كتلة من اللحم المتورّم الدامي. ووضع الجنود الرومان تاجاً من الشوك على رأس المسيح يسخرون بذلك من تلقيبه "ملك اليهود" كما نقشوا على صليبه باللغات الآرامية واليونانية واللاتينية "عيسى الناصري هو ملك اليهود" Nazarathaeus Rek Joudeorum. وسواء كان يسوع من دعاة الثورة أو من غير دعاتها فليس ثمة ريب في أن روما قد حكمت عليه بوصفه من هؤلاء الدعاة، وكذلك فهم تاستس الأمر على هذا النحو (١٣٤). وكانت جماعة صغيرة، لا يزيد عددها على ما يتسع له فناء بيت بيلاطس، قد طالبت بإعدام المسيح؛ فلما أن أخذ يصعد تل جمجمة "تبعه جمهور كبير من الشعب" كما يقول لوقا (١٣٥)، والنساء اللواتي كن يلطمن وينحن عليه. وما من شك في أن هذا الحكم لم يرق في عين الشعب اليهودي.
وقد أذن لكل مَن يريد أن يشهد هذا المنظر الرهيب أن يشهده. وكان الرومان الذين يرون أن لابد لهم أن يحكموا الناس بالإرهاب يختارون لتنفيذ حكم الإعدام في مَن يرتكبون الجرائم التي يحدد لها القانون هذه العقوبة الطريقة التي يسميها شيشرون "أقسى أنواع التعذيب وأبشعها"(١٣٦). فكانت يدا المذنب وقدماه تُدَق (أو تربط في حالات نادرة) إلى الخشبة، وكانت فيها قطعة بارزة تسند العمود الفقري أو القدمين. وإذا لم يُرجَم المذنب فيُقتَل فإنه يبقى على هذه الحال يومين أو ثلاثة أيام، يُقاسي فيها آلام عدم الحركة، وهو عاجز عن طرد الحشرات التي تتغذى من لحمه العاري، فتخور قواه ببطئ حتى يقف القلب عن الحركة ويضع حداً لهذا العذاب الأليم.