وكان الرومان أنفسهم يشفقون على ضحايا هذا التعذيب في بعض الأحيان، ويقدمون لهم شراباً فيفقدهم وعيهم. ويُقال إن الصليب كان يُرفع "عند الساعة الثالثة" أي في الساعة التسعة صباحاً. ويقول مرقس إن لصّين صلبا مع يسوع وإنهما كانا يسبانه. ويؤكد لنا لوقا أن واحداً منهما كان يدعو له (١٣٨). ولم يكن مع عيسى أحد من الرسل إلا يوحنا وحده، وكان معه ثلاث نساء تسمى كل واحدة منهن مريم، أم المسيح ومريم أختها، ومريم المجدلية (وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد)(١٣٩). واقتسم الجند ثياب الميت كعادة الرومان؛ وإذا لم يكن للمسيح إلا ثوب واحد فإنهم أخذوا يلقون القرعة ليروا من يأخذ الثوب. ولعلنا نقرأ في هذا المعنى الآية الثامنة عشرة من المزمور الثاني والعشرين منسوبة إلى مسيح. "يقتسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون". ويبدأ هذا المزمور نفسه بتلك الكلمات:"إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ ". وذلك هو نداء اليأس البشري الذي يعزوه مرقس ومتى إلى المسيح وهو يحتضر. فهل يمكن أن يكون الإيمان العظيم الذي أعانه في موقفه أمام بيلاطس قد انقلب في تلك اللحظات المريرة إلى شك أسود؟ ولعل لوقا قد رأى أن هذه العبارة لا تتفق مع عقائد بولس الدينية فبدلها بقوله:"يا أبتاه في يديك أستودع روحي" - وهي عبارة تردد صدى الآية الخامسة من المزمور الحادي والثلاثين ترديداً يثير الريب لما فيه من دقة.
وأشفق جندي على المسيح الظمآن، فجاء بإسفنجة مغموسة في الخل وقربها من فيه؛ فشرب عيسى وقال:"قد أكمل". وفي الساعة التاسعة - الثالثة بعد الظهر - "نادى يسوع بصوت عظيم … وأسلم الروح". ويضيف لوقا إلى هذا - ويدلِ بقوله على عطف اليهود "وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر … رجعوا وهم يقرعون صدورهم"(١٤١).