للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُفسّرون حوادث التاريخ على أنها تحقيق لما فيه من رؤى، ولا يزال يضفي لونه القاتم ومذاقه المر على عقيدة المسيح في بعض البقاع النائية عن عالم الرجل الأبيض.

وقد يبدو من غير المعقول أن يكون كاتب سفر الرؤيا هو نفسه كاتب الإنجيل الرابع. ذلك أن سفر الرؤيا سفر يهودي وأن الإنجيل فلسفة يونانية. ولعل الرسول كتب تلك الرؤى في سورة الغضب التي أعقبت اضطهاد نيرون، وكان لها من هذا الاضطهاد ما يبررها، ثم كتب الإنجيل في أيام نضجه وشيخوخته ونزعته الميتافيزيقية (٩٠ م). وربما كانت ذكرياته عن السيد المسيح قد ذهب بعضها إن كان في وسع الإنسان أن ينسى ذكريات المسيح، وما من شك في أنه قد سمع في الجزائر والمدائن الأيونية أصداء كثيرة للتصوف اليوناني والفلسفة اليونانية. وكان بطليموس من قبله قد نشر تلك العقيدة الخطيرة القائلة إن "أفكار الله" هي النمط الذي شكلت بمقتضاه الأشياء كلها، ثم جمع الرواقيون هذه الأفكار في عبارتهم المعروفة فكرة الله المخصبة. ثم جسد الفيثاغوريون الجدد هذه الأفكار فجعلوها شخصاً قدسياً، ثم استحالت على يد فيلون إلى عقل الله أي إلى عنصر قدسي ثانٍ به يخلق الله الخلق ويتصل بالعالم.

وإذا ما ذكرنا كل هذا ونحن نقرأ بداية الإنجيل الرابع الذائعة الصيت، واستبقينا لفظ Logos اليوناني بدل ترجمته الإنجليزية Word أو العربية (كلمة) أدركنا من فورنا أن يوحنا قد انضم إلى الفلاسفة:

"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله … كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان؛ فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس … والكلمة صار جسداً وحل بيننا".

وإذا كان يوحنا قد عاش مدى جيلين في بيئة هلنستية فقد بذل جهده