لكي يصيغ بالصيغة اليونانية العقيدة الصوفية اليهودية القائلة بأن حكمة الله كانت شيئاً حياً (٨٣). والعقيدة المسيحية القائلة بأن عيسى هو المسيح المنتظر، كما أحس من قبل فيلون العالم المتضلّع في البحوث العقلية اليونانية بالحاجة إلى صياغة العقائد اليهودية من جديد كي توائم عقلية اليونان ذوي النزعة الفلسفية، ولقد واصل يوحنا، عرف أو لم يعرف، ما بدأه بولس من فصل المسيحية عن اليهودية فلم يعرض المسيح على العالم، كما كان يعرض عليه من قبل، بوصفه يهودياً يلتزم الشريعة اليهودية إلى حد ما، قل ذلك أو كثر؛ بل أنطقه في خطابه لليهود بقوله "أنتم" وبحديثه عن الناموس بقوله "ناموسكم" ولم يكن "مسيحاً منتظراً" أرسل لينجي خراف إسرائيل الضالة، بل كان ابن الله الخالد معه، ولم يكن المحكم بين الناس في المستقبل فحسب، بل كان هو الخالق الأول للكون. فإذا نظرنا إلى المسيح هذه النظرة، كان في وسعنا أن نغفل إلى حد ما حياة الرجل يسوع اليهودية إذ نراها تذوي ويذهب سناها كما يذهب عند الطائفة اللاأدرية غير المؤمنة؛ أما فكرة المسيح الإله فقد هضمتها تقاليد العقل الهلنستي الدينية والفلسفية، ومن ثم كان في وسع العالم الوثني - بل وفي وسع العالم المضاد للسامية - أن يحتضنها ويرضى بها.
إن المسيحية لم تقضِ على الوثنية، بل تبنتها، ذلك أن العقل اليوناني المحتضر عاد إلى الحياة في صورة جديدة في لاهوت الكنيسة وطقوسها، وأصبحت اللغة اليونانية التي ظلت قروناً عدة صاحبة السلطان على السياسة أداة الآداب، والطقوس المسيحية، وانتقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الخفية الرهيبة، وساعدت عدة مظاهر أخرى من الثقافة اليونانية على إحداث هذه النتيجة المتناقضة الأطراف. فجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس، ويوم الحساب، وأبدية الثواب والعقاب، وخلود الإنسان في هذا أو ذاك، ومنها جاءت عبادة أم الطفل، والاتصال الصوفي