وبمعونة براقعهن، فمارسن بدهائهن ما كان لهن من سلطان في الزمن القديم. وقد وجدت الكنيسة للأرامل وغير المتزوجات من الناس أعمالاً كثيرة نافعة، فقد نظمتهن في جماعات "الأخوات" وعهدت إليهن القيام ببعض أعمال الإدارة أو الصدقات، وأنشأت على توالي الزمن طبقات مختلفة من الراهبات كانت أعمالهن الرحيمة أنبل ما تمثلت في المسيحية.
وقد وصف لوشيان حوالي عام ١٦٠ "أولئك البلهاء، المسيحيين، الذين يزدرون الأشياء الدنيوية ويرون أنها ملك مشترك بينهم جميعاً"(٦). وجاء ترتليان بعد جيل واحد فأعلن أننا "نحن"(المسيحيين)"نشترك جميعاً في كل شيء عدا زوجاتنا"، وأضاف إلى ذلك قوله بتهكمه اللاذع:"فإذا وصلنا إلى هذه النقطة حللنا شركتنا، حللناها بالضبط عند النقطة التي يجعل غيرنا من الرجال اشتراكهم قوياً فعالاً"(٧). وليس من حقنا أن نأخذ هذه الأقوال بحرفيتها؛ ذلك أن الشركة، كما يفهم من فقرة أخرى في أقوال ترتليان، لا تعني أكثر من أن كل مسيحي يجب عليه أن يسهم في رصيد الجماعة المشتركة بقدر ما تمكنه موارده. وما من شك في أن الاعتقاد السائد بأن النظام القائم في العالم سيقضى عليه بعد قليل قد جعل هذا التبرع سهلاً على المسيحيين؛ ولعل الأغنياء منهم قد اقتنعوا بأنهم يجب ألا يفاجئوا يوم القيامة وهم ملقون في أحضان المال. وكان بعض المسيحيين الأولين يعتقدون كما يعتقد الأسينيون أن الرجل الغني الذي لا يُشرك الناس فيما لا حاجة له به من ماله لص (٩). وقد هاجم يعقوب "أخو الرب" الثروة بألفاظ تنم عن ثورة نفسية مريرة:
"هلم الآن أيها الأغنياء، ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة، غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث، ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما … يأكل لحومكم كنار، ثم كثرتم في الأيام الأخيرة، هو ذا أجرة الفعلة الذي حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ وصياح الحاصدين قد دخل إلى أذني