يكون له مثيل في شدته في التاريخ القديم. وفي ذلك يقول ترتليان:"أما من حيث المسألة الجنسية فإن المسيحي يقنع بالمرأة"(٢٠).
وكان كثير مما ورد في هذا القانون الأخلاقي الصارم يستند إلى قرب عودة المسيح إلى الأرض، فلما أن بدأ هذا الأمل يمحل، أخذت مطالب الجسد تقوى مرة أخرى، وضعفت الأخلاق المسيحية. وشاهد ذلك أن رسالة لا يُعرف كاتبها تسمى راعي هرماس (حوالي عام ١١٠) تندد بعودة البخل، والخيانة، وأصباغ الشفاه، وصبغ الشعر، وتلوين الجفون، والسكر، والزنى بين المسيحيين (٢١). لكن الصورة العامة التي لدينا عن أخلاق المسيحيين في ذلك العهد تنطق بالتقوى، والوفاء المتبادل، والإخلاص بين الزوجين، والسعادة، والطمأنينة، والثقة، والإيمان. ولم يسع بلني الأصغر إلا أن يكتب إلى تراجان يقول إن المسيحيين يحيون حياة هادئة هي مضرب المثل في الصلاح (٢٢). ويصفهم جالينوس بأنهم "قد سموا في تأديب أنفسهم" وفي … رغبتهم الشديدة في الوصول إلى مستوى خلقي رفيع يجعلهم في منزلة لا تقل عن منزلة الفلاسفة الحقيقيين (٢٣). وقد قوى شعورهم بالخطيئة حين أخذوا يعتقدون أن البشر جميعهم قد تلوثوا بسقوط آدم، وأن العالم سينتهي عما قريب، ويحل اليوم الذي يحكم فيه على الناس بالعذاب السرمدي أو النعيم المقيم.
وقد وجه كثير من المسيحيين همهم كله إلى العمل على أن يستقبلوا يوم الحساب الرهيب طاهرين من الدنس، فكانوا لذلك يرون في كل لذة من ملذات الحواس غواية من غوايات الشيطان، ولهذا أخذوا ينددون بعالم الجسم ويعملون لكبت الشهوات بالصوم وبكثير من أنواع التعذيب البدني، وكنوا ينظرون بعين الريبة إلى الموسيقى، والخبز الأبيض، والخمور الأجنبية، والحمّامات الدافئة، وحلق اللحية، ويرون في هذه الأعمال استهانة بإرادة الله الجلية الواضحة للعيان (٢٤). واتخذت الحياة حتى عند المسيحي العادي نفسه لوناً أشد قتاماً