الكائن يوجد الواحد"، وفي خلال الفوضى الظاهرية البادية في التعدد الدنيوي تسري الحياة الموحِّدة. ولا نكاد نعرف عن هذا الواحد إلا أنه موجود، وكل صفة موجبة نصفه بها، أو ضمير متحيف نحله محله، تحديد له غير لائق به. وكل ما نستطيع أن نسميه به هو أنه، واحد، وأول، وخيّر، وأنه هدف رغبتنا العليا. وينشأ من هذه الوحدة العقل العالمي، وهو القابل عند أفلاطون للأفكار أي النماذج المشكلة، والقوانين المتحكمة في الأشياء؛ أو أنها أفكار الله أو عقل واحد، أو نظام العالم ومعقوليته. وإذ كانت هذه الأفكار تبقى مع أن المادة صور متغيرة من الأشكال التي تأتي وتروح، فإن هذه الأفكار هي الحقيقة الصحية الباقية. ولكن الوحدة والعقل، وإن أمسكا الكون وحفظاه من التفكك، لا يخلقانه، بل الذي يخلقه هو العنصر الثالث من عناصر الألوهية - أي العنصر الذي يبعث الحياة والذي يملأ الأشياء جميعاً ويكسبها قوتها وصورتها المقررة لها. ولكل شيء، من الذرة الصغيرة إلى الكوكب الكبير، نفس تبعث فيه النشاط، هي في ذاتها جزء من النفس العالمية، والنفس الفردية ليست خالدة إلا من حيث هي باعثة الحياة أو الطاقة لا من حيث هي كائن متميز (٤٩). وليس الخلود هو بقاء الشخصية، بل هو اندماج النفس في الأشياء التي لا تموت (٥٠).
والفضيلة هي حركة النفس نحو الله، وليس الجمال مقصوراً على التناسق والتناسب كما ظن أفلاطون وأرسطو بل هو النفس الحية، أو الألوهية غير المنظورة التي في الأشياء، وهي غلبت الروح على الجسد، والصورة على المادة، والعقل على الأشياء، والفن هو تحويل هذا الجمال العقلي أو الروحي إلى وسط آخر. ويمكن أن تدرّب النفس على أن ترتفع من طلب الجمال في المادة أو في الصور البشرية إلى طلبه في النفس الخفية، وفي الطبيعة وسننها، وفي العلم، وما يكشف عنه من نظام دقيق بديع، وإلى طلبه آخر الأمر في الوحدة القدسية التي تؤلف بين