المدرسة الأفريقية. ومع أنه لم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من العمر فقد اجتذب إليه علمه وبلاغته كثيرين من الطلبة وثنيين ومسيحيين على السواء، وطبقت شهرته جميع أنحاء العالم المسيحي.
ويقدر بعض القدامى عدد "كتبه" بستة آلاف، وكان الكثير منها بطبيعة الحال نبذاً وجيزة، وحتى على هذا الاعتبار قال فيها جيروم متسائلاً:"مَن منا يستطيع أن يقرأ كل ما كتب؟ "(٦٢). ولقد قضى أرجن عشرين عاماً هائماً يحب الكتاب المقدس، واستخدم طائفة كبيرة من المختزلين والنساخين يضعون في أعمدة متوازية النص العبري للعهد القديم، وإلى جواره ترجمة يونانية حرفية لهذا النص، وفي خانة أخرى ترجمة يونانية له منقولة عن الترجمة السبعينية، وفي رابعة أكويلية، وخامسة سيماكوسية، وسادسة ثيودوتية (١).
ثم أخذ يوازن هذه التراجم المختلفة بعضها ببعض، واستعان بمعرفته باللغة العبرية فأخرج للكنيسة ترجمة سبعينية مصححة؛ ولكن هذا لم ينقع غلته فأضاف شروحاً بعضها غاية في الإسهاب إلى سفر من أسفار الكتاب المقدس. ويحتوي كتابه المبادئ الأولى Peri archon أول عرض فلسفي منظم للعقيدة المسيحية؛ وفي كتابه الشذرات Stromateis أخذ على عاتقه أن يثبت جميع العقائد المسيحية بالرجوع إلى كتابه الفلاسفة الوثنيين. وأراد أن يخفف عن نفسه عبء هذا الواجب الثقيل فاستعان بالطريقة الرمزية الاستعارية التي استطاع بها الفلاسفة الوثنيون أن يوفّقوا بين أقوال هومر وبين ما يقبله العقل المنطقي، والتي وفق فيلون بين اليهودية والفلسفة اليونانية.
ومن أقوال أرجن في هذا المعنى أن من وراء المعنى الحرفي لعبارات الكتاب
(١) ولم يبقَ من هذه التراجم الست إلا قطع قليلة. وقد ضاعت كذلك التراجم الرباعية المحتوية على التراجم اليونانية الأربع.