المقدس طبقتين من المعاني أكثر منه عمقاً - هما المعنى الخلقي والمعنى الروحي - لا تصل إليهما إلا الأقلية الباطنية المتعلمة. وكان يرتاب في صحة ما ورد في سفر التكوين إذا فهم بمعناه الحرفي؛ ويفسر ما كان يلقاه بنو إسرائيل من يهوه من معاملة غير طيبة أحياناً بأن ما وصفت به هذه المعاملة إنما هو رموز؛ وقال إن القصص الواردة في الكتاب المقدس والتي تقول إن الشيطان صعد بعيسى إلى جبل عالٍ وعرض عليه ملكوت الأرض ليست إلا أساطير (٦٣). ويضيف إلى ذلك إن هذه القصص قد اخترعت في بعضٍ لكي توضح بعض الحقائق الروحية (٦٤). ويقول متسائلاً:
"أي رجل عاقل يصدق إن اليوم الأول واليوم الثاني واليوم الثالث، وأن المساء والصباح، قد كانت كلها من غير شمس أو قمر أو نجوم؟ وأي إنسان تصل به البلاهة إلى حد الاعتقاد أن الله قد زرع جنة عدن كما يزرع الفلاح الأرض، وغرس فيها شجرة الحياة … حتى إذا ما ذاق إنسان ثمرتها نال الحياة؟ "(٦٥).
وإذا ما واصل أرجن أقواله اتضح لقارئه أنه رواقي، وفيثاغوري حديث، وأفلاطوني حديث؛ وأدري، وأنه مع هذا كله مُصرْ على أن يكون مسيحياً. ولو أننا طلبنا إلى رجل مثله أن يترك الدين الذي نشر فيه ألف كتاب وتخلى من أجله عن رجولته لكلفناه ضد طباعه. ولد درس أرجن، كما درس أفلوطينس على أمونيوس سكاس Ammonius Saccas وإنا ليصعب علينا أحياناً أن نفرق بين فلسفة وفلسفتهما. فالله عند أرجن ليس هو يهوه، بل هو الجوهر الأول لجميع الأشياء. وليس المسيح هو الإنسان الآدمي الذي يصفه العهد الجديد، بل هو العقل الذي ينظم العالم؛ وهو بهذا الوصف خلقه الله الآب، وجعله خاضعاً له (٦٦). والنفس عند أرجن، كما هي عن أفلوطينس تنتقل في مراحل وتجسدات متتالية قبل أن تدخل الجسم، وهو تنتقل بعد الموت في مراحل متتالية