مثلها قبل أن تصل إلى الله. وجميع الأنفس التي أطهرها تتعذب زمناً ما في المطهر ولكنها كلها تنجو آخر الأمر، وسيكون بعد "اللهب الأخير" عالم آخر ذو تاريخ طويل، ثم عالم ثالث، ورابع … كل واحد منها خير من سابقه، وهذه العوالم الكثيرة المتتالية ستحقق على مهل الخطة التي رسمها الله (٦٧).
ولسنا نعجب إذا رأينا دمتريوس، أسقف الإسكندرية، ينظر بعين الريبة إلى هذا الفيلسوف النابه الذي تزدان به أبرشيته والذي يراسل الأباطرة. وقد أدت هذه الريبة إلى أن رفض دمتريوس أن يرسمه قسّاً بحجة أن الخصاء يجعله غير أهل للكهنوت. ولكن أسقفين فلسطينيين رسماه أثناء سفره في بلاد الشرق الأدنى. واحتج دمتريوس على هذا العمل وقال إن فيه اعتداء على حقوقه، وعقد مجمعاً من رجال الدين الذين كانوا تحت رياسته، وألغى هذا المجمع رسامة أرجن ونفاه من الإسكندرية، فانتقل إلى قيصرية وواصل عمله في التدريس، وكتب فيها دفاعه الشهير عن المسيحية المسمى ضد سلسس Contra Celsum (٢٤٨) ، وقد بلغ من كرمه أن أقر بقوة الحجج التي أدلى بها سلسس؛ ولكنه رد عليها بقوله إن كل صعوبة، وكل فكرة بعيدة عن المعقول، في العقيدة المسيحية يقابلها في الوثنية آراء أصعب منها وأبعد منها عن العقل، ولم يستنتج من هذا أن كلتا العقيدتين باطلة، بل استنتج دين أن الدين المسيحي يعرض أسلوباً للحياة أنبل مما يستطيع أن يعرضه محتضر يدعو إلى عبادة الأصنام.
وامتد اضطهاد ديسيوس للمسيحيين حتى توصل إلى قيصرية في عام ٢٥٠، وقُبض علىأرجن؛ وكان وقتئذ في الخامسة والستين من عمره؛ ومد على العذراء، وقُيد بالأغلال، ووُضع في عنقه طوق من الحديد، وبقى في السجن أياماً طوالاً. ولكن الموت عاجل ديسيوس أولاً وأُطلق سراح أرجن، غير أن حياته لم تطل بعد ذلك أكثر من ثلاث سنين، لأن التعذيب ألحق أشد