بيض، ومشى الإمبراطور أمامها متجهاً بوجهه نحوها وهو صامت إجلالاً لهذا الحجر. ولم يكن يجد ما يمنعه أن يعترف بجميع الأديان الأخرى، فكان يبسط حمايته على اليهودية، وعرض أن يجعل المسيحية ديناً مشروعاً، وكل ما كان يصر عليه في إخلاص يدعو إلى الإعجاب هو أن يكون حجره أعظم الآلهة (١٢).
وكانت أمه منهمكة في علتها تنظر إلى هذه المهزلة الدينية نظرة المتسامح الذي لا يعنيه من أمرها شيء، ولكن جوليا ميزا صممت، حين عجزت عن وقفها، على أن تتعجل تلك الكارثة التي ستقضي على هذه الأسرة العجيبة من النساء السوريات. ولهذا أقنعت إلجابالس بأن يتبنى الاسكندر ابن عمه ويوصي به قيصراً وخليفة له، وأخذت هي ومامائيا Mamaea تدربان الغلام على واجبات منصبه، وسلكتا كل السبل التي تجعل مجلس الشيوخ والشعب ينظران إليه على أنه خير بديل للقس المأفون الذي أساء إلى روما - لا بإسرافه أو فحشه - بل بإخضاعه جوبتر إلى بعل السوري. وكشفت سؤامياس المؤامرة وأثارت الحرس البريتوري على أختها وابن أختها. لكن ميزا ومامائيا كانتا أقوى منها حجة إذا بسطتا أيديهما للحرس بالمال الوفير، فقتل رجال الحرس إلجابالس وأمه، وجروا جثته في شوارع المدينة وحول ساحة الألعاب، وألقوها في نهر التيبر، ثم نادوا بالاسكندر إمبراطوراً ووافق مجلس الشيوخ على هذه البيعة (٢٢٢).
وجلس ماركس أورليوس سفيرس الكسندر على العرش، كما جلس عليه سلفه، في الرابعة عشرة من عمره. وكانت أمه قد عنيت عناية منقطعة النظير بتدريب جسمه، وعقله، وخلقه. وزاد هو شهرته بالجد ورياضة الجسم، فكان يسبح في بركة من الماء البارد ساعة في كل يوم، ويشرب نحو نصف لتر من الماء قبل كل وجبة، ويقتصد في الطعام، ولا يأكل إلا ابسط الأطعمة. ونشأ غلاماً وسيماً، طويل القامة، قوي الجسم، ماهراً في جميع أنواع الألعاب وفنون الحرب، ودرس الآداب اليونانية واللاتينية، ولم يقلل من حبه لهما