للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانهماكه فيهما إلا إصرار مامائيا، إذ تلت عليه أشعار فرجيل التي تهيب بالرومان أن يدعوا جمال الثقافة لغيرهم من الأجناس، ويعدوا أنفسهم لإقامة دولة عالمية وحكمها في سلام. وكان بارعاً "ممتازاً" في التصوير والغناء، يعزف على الأرغن والقيثارة، ولكنه لم يكن يسمح لغير أهل بيته بمشاهدة هذه الأعمال. وكان بسيطاً متواضعاً في ملبسه وأخلاقه "معتدلاً في استمتاعه بالحب، ولم تكن له قط صلة بالمخنثين" (١٣). وأظهر احتراماً عظيماً لمجلس الشيوخ، فكان يعامل أعضاءه كأنهم أكفاء له، ويستضيفهم في قصره، وكثيراً ما كان يزورهم في منازلهم وكان رحيماً، دمث الأخلاق، يعود المرضى أياً كان منزلتهم؛ ولم يسفك قط دماء مدني في الأربعة عشر عاماً التي قضاها في الحكم (١٤). وعابت عليه أمه لينه وقالت له: "لقد أسرفت في لين الحكم، وفي الإقلال من سلطان الإمبراطوريّة". فأجابها بقوله: "نعم، ولكنني جعلتها أبقى أمداً وأقوى دعامة" (١٥). لقد كان رجلاً من ذهب مصفى، غير مشوب بزغل يقويه على احتمال صعاب هذا العالم.

وأدرك السخف الذي تنطوي عليه جهود سلفه والتي كانت تهدف إلى استبدال إلجابال بجوبتر، وتعاون مع والدته في إعادة الهياكل والشعائر الرومانية إلى سابق عهدها؛ ولكن عقله الفلسفي هداه إلى أن يرى أن الأديان جميعها أساليب مختلفة لعبادة قوة واحدة عليا، ولهذا أراد أن يعظّم جميع الأديان التي تدعوا إلى الخير، ووضع في معبده الخاص الذي كان يتعبد فيه كل صباح صوراً لجوبتر وأرفيوس، وأبلونيوس التيانائي، وابراهيم، والمسيح. وكثيراً ما كان يكرر النصيحة اليهودية - المسيحية القائلة: "لا تعامل غيرك بما لا تحب أن يعاملك به الناس"، وأمر بنقشها على جدران قصره وعلى كثير من جدران المباني العامة. وكان يوصي شعبه بالتخلّق بأخلاق اليهود والمسيحيين. ولكن الذين لم يتأثروا به من