كفار نجسين، فأمر دقلديانوس أن يقرّب جميع الحاضرين القرابين إلى الآلهة أو يجلدوا، وأن يمتثل جميع جنود الجيش لهذا الأمر أو يُفصلوا من الخدمة (٣٠٢). ومن أغرب الأشياء أن الكتاب المسيحيين يتفقون هنا مع الكهنة الوثنيين فيقول لكتنتيوس Lactantantantius (٢٢) إن صلوات المسيحيين أبعدت الآلهة الرومانية، وكتب الأسقف ديونيشيوس بهذا المعنى ذاته قبل ذلك بجيل. ولم يترك جليريوس فرصة إلا انتهزها للقول بأن الوحدة الدينية ضرورية لتدعيم الملكية الجديدة، وما زال يلح على دقلديانوس حتى خضع له في آخر الأمر. وأمر الحكام الأربعة في عام ٣٠٣ أن تهدم كل الكنائس المسيحية، وأن تحرق الكتب المسيحية، وتُحل المجتمعات المسيحية وتصادر أملاكها، ويُحرم المسيحيون من جميع المناصب العامة، ويعاقب بالإعدام مَن يُضبط منهم في أي اجتماع ديني. وبدأت كتيبة من الجند هذا الاضطهاد بإحراق كنيسة نقوميديا وتدميرها عن آخرها.
وكان المسيحيون وقتئذ من الكثرة بحيث يستطيعون رد العدوان بمثله، فقامت حركة ثورية في سوريا، وأضرم بعضهم النار مرتين في قصر دقلديانوس بنقوميديا، واتهم جليريوس المسيحيين بجريمة الحرق عمداً، واتهموه هم بنفس التهمة، وقبض على مئات من المسيحيين وعذبوا، ولكن الجريمة لم تثبت على أحد واصدر دقلديانوس في شهر سبتمبر أمراً بأن يطلق سراح المسجونين من المسيحيين الذين يعبدون الآلهة الرومانية، أما من يرفض ذلك منهم فلتسلط عليه جميع أنواع العذاب التي تعرفها روما. فلما قاوم المسيحيون هذه الأوامر بازدراء استشاط غضباً من هذه المقاومة، وأمر جميع كبار الحكام في الولايات بأن يبحثوا عن كل مسيحي، وأن يستخدموا معه كل وسيلة مستطاعة لإرغامه على استرضاء الآلهة. ولعله قد سره أن يترك هذه المقامرة التعسة إلى مَن يخلفه فاعتزل الملك.