ونفذ مكسميان هذا المرسوم في إيطاليا تنفيذاً عسكرياً كاملاً صارماً. وشجع جليريوس بعد أن صار أغسطس الاضطهاد في الشرق بجميع وسائل التشجيع، فزاد عدد الشهداء في كل جزء من أجزاء الإمبراطوريّة عدا غالة وبريطانيا، حيث اكتفى قنسطنطيوس بإحراق عدد قليل من الكنائس. ويؤكد لنا يوسبيوس، ولعله يفعل ذلك في سورة الغضب، أن الناس كانوا يُجلدون حتى تنفصل لحومهم عن عظامهم، أو أن لحمهم كان يقشر عن عظامهم بالأصداف، وكان الملح أو الخال يصب في جروحهم، ويُقطّع لحمهم قطعة قطعة ويرمى للحيوانات الواقفة في انتظارها، أو يُشدون إلى الصلبان فتنهش لحومهم الوحوش الجياع جزءاً جزءاً. ودست عصى حادة الأطراف في أصابع بعض الضحايا تحت أظافرهم، وسملت أعين بعضهم، وعلق بعضهم من يده أو قدمه، وصُبّ الرصاص المصهور في حلوق البعض الآخر، وقطعت رؤوس بعضهم أو صلبوا، أو ضربوا بالعصى الغليظة حتى فارقوا الحياة؛ ومزقت أشلاء البعض بأن شدت أجسامهم إلى غصون أشجار ثنيت ثنياً مؤقتاً (٢٣). وقد وصل إلينا علم ذلك كله عن المسيحيين أما الوثنيون فلم ينقلوا إلينا شيئاً من هذه الأخبار.
ودام الاضطهاد ثمانية أعوام، وهلك بسببه نحو ألف وخمسمائة من المسيحيين، بعضهم من أتباع الدين القويم، وبعضهم من الملاحدة، وقاسى عدد آخر يخطئه الحصر ألواناً مختلفة من العذاب. وارتد آلاف من المسيحيين عن دينهم؛ وتقول بعض الروايات أن مرسلينس Marcellinus أسقف روما نفسه أرغم بضروب من الإرهاب والتعذيب على أن يرتد عن دينه، ولكن معظم مَن نالهم الاضطهاد ثبتوا على دينهم؛ وكان منظر استبسالهم في الإخلاص لدينهم، أو كانت أخيار هذا الاستبسال؛ رغم ما قاسوه من ألوان العذاب، كان هذا وذاك سبباً في شد عزيمة المترددين، وضم أنصار جدد للجماعات الدينية المضطهدة. وأثارت ضروب الاضطهاد الوحشي المتزايدة الرحمة في قلوب الأهلين الوثنيين؛ ووجد الصالحون في نفوسهم من الشجاعة ما دفعهم إلى التصريح بمقتهم لهذا الظلم الذي