وليست أهمية عشتار (وهي إستارثي عند اليونان وعشتورت عند اليهود) لدينا مقصورة على أنها شبيهة بإيزيس إلهة المصريين، وعلى أنها النموذج الذي صاغ اليونان على مثاله آلهتهم أفرديتي والرومان فينوس، بل إنها تهمنا فوق ذلك لأنها تبارك عادة من أغرب العادات البابلية، فقد كانت هي دمتر وأفرتيتي معاً- أي أنها لم تكن إلهة جمال الجسم والحب وحسب، بل كانت فوق هذه الإلهة الرحيمة التي تعطف على الأمومة الولود، والموحية الخفية بخصب الأرض، والعنصر الخلاب في كل مكان، ويستحيل علينا، إذا نظرنا إلى صفات إشتار ووظائفها بمنظار هذه الأيام، أن نجد بينها كثيراً من التناسق؛ فقد كانت مثلاً إلهة الحرب والحب، وإلهة العاهرات والأمهات؛ وكانت تسمي نفسها "المحظية الرحيمة"(٧٣). وكانت تصور أحيانا في صورة إلهة ملتحية تجمع بين صفات الذكران والإناث؛ وأحياناً في صورة امرأة عارية تقدم ثدييها للرضاعة (٧٤). ومع أن عبادها كثيرون ما يخاطبونها بقولهم "العذراء" و "العذراء المقدسة" و "الأم العذراء"، فان كل ما تعنيه هذه الأقوال أن حبها كان مبرأ من دنس الزواج. وقد رفض جلجميش أن يتزوج بها حين عرضت عليه الزواج، وحجته في ذلك أنه لا يوثق بها، ألم تحب في يوم من الأيام أسداً وأغوته، ثم قتلته (٧٥)؟
وجلي أننا يجب أن نتغاضى عن قانوننا الأخلاقي إذا شئنا أن نفهم مقام هذه الألهة على حقيقتها. فليتأمل القارئ تلك الحماسة القوية التي يرفع بها البابليون إلى مقامها العظيم تسابيح الحمد التي لا يكاد يفوقها في روعتها إلا تلك التسابيح التي كان الأتقياء من المسيحيين يرفعونها فيما مضى لمريم أم المسيح:
أتوسل إليكِ يا سيدة السيدات، يا ربة الربات، يا إشتار، يا ملكة المدائن كلها، ويا هادية كل الرجال.
أنتِ نور الدنيا، أنتِ نور السماء، يا ابنة سن العظيم (إله القمر) …
ألا ما أعظم قدرتك، وما أعظم مقامك فوق الآلهة أجمعين.