واتخذ البابليون هذه الآلهة شخصيات نسجوا حولها أساطيرهم التي وصل إلينا معظمها عن طريق اليهود، وأضحت جزءاً من قصصنا الديني. وأول ما نذكره من قصصهم قصة الخلق. فقد كان في أول الأمر عماء "ففي الوقت الذي لم يكن فيه شيء عال يسمى السماء، ولم يكن شيء وطئ يسمى الأرض، جاء أبو المحيط، وكان أبا الأشياء أول الأمر، وتيامات العماء، التي ولدتها كلها، وخلطا ماءهما معا"، وبدأت الأشياء تنمو على مهل وتتخذ لها أشكالاً، ولكن تيامات الآلهة المهولة شرعت تبيد كل الآلهة الآخرين، لتجعل نفسها- العماء- صاحبة المقام الأعلى. وأعقبت هذا ثورة عنيفة اضطرب منها كل نظام. ثم جاء إله آخر هو مردك وقتل تيامات بدوائها هي. وذلك بأن دفع في فمها ريحاً عاصفة حين فتحته لتبتلعه. ثم طعنها برمح في بطنها الذي انتفخ بما دخله من الريح، فانفجرت إلهة العماء. وتقول القصص بعدئذ أن مردك "عاد إلى هدوئه" فقسم تيامات ميتة قسمين مستطيلين، كما يقسم الإنسان السمكة ليجففها، "ورفع أحد النصفين إلى الأعلى فكان هو السماء، وبسط النصف الآخر تحت قدميه فكان الأرض"(٧٧). هذا كل ما وصل إلى علمنا حتى الآن عن قصة الخلق عند البابليين. ولعل الشاعر القديم أراد أن يوحي إلينا بهذه القصة أننا لا نعرف عن بداية الخلق إلا أن النظام قد استبدل بالفوضى والعماء، لأن هذا في آخر الأمر هو جوهر الفن والحضارة. على أننا يجب ألا يغرب عن بالنا أن هزيمة العماء ليست إلا أسطورة من الأساطير (١).
ولما أن فتق مردك السماء والأرض ووضعهما في مكانيهما، شرع يعجن الأرض بدمائه ويصنع الناس لخدمة الآلهة. وتختلف القصص البابلية في وصف الطريقة
(١) وكتبت قصة الخلق البابلية على سبعة ألواح (كل يوم من أيام الخلق على لوح) وقد وجدت في خرائب مكتبة أشور بانيبال في قويونجك (نينوى) في عام ١٨٥٤ م. وهذه الألواح نسخة من قصة انحدرت إلى بابل وأشور من بلاد سومر. والمؤلف يريد بقوله: "إن استبدال العماء بالفوضى أسطورة" إن الفوضى لا تزال تضرب أطنابها في الأرض وأنها لا تكاد تزول منها حتى تعود إليها. (المترجم).