أو شاخص الميل- ومنه تتشعب الطرق العظيمة الكثيرة (التي لا يزال بعضها باقياً للآن)، والتي تربط عاصمة الدولة بمختلف ولاياتها. وهنا أيضاً في غرب الأوغسطيوم أنشئ ميدان السباق العظيم، وبينه وبين كنيسة أياصوفيا كان يمتد القصر الإمبراطوري أو القصر المقدس، وهو بناء معقد من الرخام تحيط به مائة وخمسون فداناً من الحدائق والأبواب ذات العمد. وانتشرت في أنحاء مختلفة من المدينة وضواحيها بيوت الأشراف. وفي الشوارع الجانبية الضيقة الملتوية المزدحمة بالسكان كانت حوانيت التجار ومساكن العامة على اختلاف أنواعها. وكان الطريق الأوسط ينتهي عند طرفه الغربي "بالباب الذهبي" في سور قسطنطين، ويطل من هذا الباب على بحر مرمرة. وكانت القصور تقوم على الشواطئ الثلاثة وتضطرب ظلالها الفخمة في أمواج البحار.
وكان جل أفراد الطبقة العليا من سكان المدينة من الرومان، أما الكثرة الساحقة من غير هذه الطبقة فكانوا من اليونان. وكان هؤلاء وأولئك وغيرهم من السكان يسمون أنفسهم "يونانا". وكانت اللاتينية لغة الدولة الرسمية، ولكن اليونانية ظلت لغة الشعب حتى حلت قبيل مستهل القرن السابع محل اللاتينية في المصالح الحكومية نفسها. وكانت تلي طبقة كبار الموظفين وأعضاء مجلس الشيوخ طبقة من الأشراف قوامها ملاك الأراضي الذين يقيمون في المدينة تارة وفي ضياعهم في الريف تارة أخرى. وكانت هناك طبقة أخرى هي طبقة التجار تحتقرها الطبقات السالفة الذكر ولكنها تنافسها في الثراء. وكان هؤلاء التجار يستبدلون ببضائع القسطنطينية والإقليم الذي من خلفها غلات بلاد العالم. ويلي طبقة التجار في المدينة طبقة أخرى مطَّردة الزيادة من موظفي الحكومة، ومن تحتهم أصحاب الحوانيت ورؤساء الصناع الذين يعملون في مختلف الحرف، وتليهم طبقة يعد أفرادها عمالاً أحراراً من الوجهة الرسمية الشكلية، لا حق لهم في الانتخابات العامة، جبلوا على الشغب والاضطراب، أذلهم الجوع وخضعوا